الدنيا إذا لم تقربك من الله عز وجل فهي بُعْدٌ لك من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ونحن بحاجة إلى تكرار الخطب والمواعظ والدروس والتربية والتوجيه التي تعمل على رد الناس إلى الله، لأنه وجد من الناس من أصبح عبداً للدنيا، وقته كله مع الدنيا حتى لا يستطيع حضور مجالس العلم والدعوة، ولا يتفرغ للذكر وتلاوة القرآن بسبب الدنيا، فنحن بحاجة إلى تكرار الدرس دائماً وأبداً لعل القلوب أن تصحو من سباتها وغفلتها، يقول ابن عمر رضي الله عنهما كما في البخاري في كتاب الرقاق: {أخذ صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل}.
دخل سالم بن عبد الله الحرم وحذاؤه في يده، وهو عالم المسلمين، وعالم الدنيا، وأحد الفقهاء السبعة في المدينة، دخل يطوف بالبيت معتمراً، فدخل هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي معه حرسه وجنوده، فلما رأى سالماً عرف أنه عالم المسلمين فأخذ بيده وقال: يا سالم! هل لك إليَّ حاجة؟ فاحمر وجه سالم وقال: أما تستحي؟! قال: ولم؟ قال: تقول لي هذا في بيت الله، فسكت، فلما انتهى تصدى له خارج الحرم هشام بن عبد الملك وأعاد عليه الكلام، فقال سالم: أمن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: من حوائج الدنيا فإني لا أملك الآخرة، قال: أما الدنيا فوالله الذي لا إله إلا هو، ما سألتها ممن يملكها فكيف أسألها منك؟!
هذا هو سالم بن عبد الله الذي ما سأل الدنيا من الله عز وجل فكيف يسألها من الناس، والتجرد معناه أن تأخذ ما ينفعك من الدنيا وألا تشغلك بل تكون عوناً لك على طاعة الله.
ابن تيمية يعرِّف الزهد كما في المجلد العاشر من فتاويه، وهو أحسن تعريف عند أهل السنة والجماعة للزهد، لأن بعض الناس يعرف الزهد أن تتخلى عن الدنيا، وهذا ليس بصحيح، وبعضهم يقول: أن تزهد في الحرام وهو تعريف نسب حتى للإمام أحمد، إذا كان الزهد هو الزهد في الحرام لكان أكثر الناس زهاداً.
فيقول ابن تيمية في تعريف الزهد: "الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة" وأما ما ينفع فإن الزهد فيه ليس بصحيح، أما ما لا ينفعك ولا يقربك من الله فليس بحق وليس بمطلوب.