التجرد من الدنيا

والسبب الثاني: التجرد عن الدنيا والزهد فيها، وهذا دل عليه حديث ابن ماجة عن سهل بن سعد قال: {أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلني على عملٍ إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} فمن أعظم ما يقرب العبد إلى الله عز وجل أن يخرج حب الدنيا من قلبه، فإذا أخرج حب الدنيا من قلبه وأسكن حب الله في قلبه أحبه الله عز وجل، وحب الله لا ينال إلا بأن تكون عبداً لله.

والعبودية معناها: الخضوع والذل والاستسلام والحب له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن الحب وحده لا يكفي، فمن عبد الله بالحب وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف فهو حروري، إلى ذاك التقسيم.

لكن لابد أن تجتمع كل هذه الأصناف، لتكون عبداً لله، ولذلك شرف الله رسوله صلى الله عليه وسلم بذكر العبودية، لأنه أحب الناس إلى الله وأذل الناس لله، وأخشاهم لله، ولذلك قال الله له في موقف التشريف بالإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] وقال له في الإنذار: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] وقال له في الإنزال {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] وميزة السلف الصالح علينا في هذا الجانب أنهم تجردوا من الدنيا، وأن الدنيا كانت في أيديهم ولم تكن في قلوبهم، ولذلك أحبهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

وكان عليه الصلاة والسلام يحذرهم، بل يحذرنا نحن كذلك من محبة الدنيا ومن مغبة جمعها وعبادتها، لأن من الناس من يعبد الدرهم والدينار، ومنهم من يعبد الخميصة والخميلة، ومنهم من يعبد الوظيفة والمنصب، قال عليه الصلاة والسلام: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش} وذلك لأنه عبد: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] فكل من أحب شيئاً غير الله واستسلم واستخدم في حبه فقد عبده من دون الله، فإن العبادة هي الحب، فكيف يعبد الله أحد لا يحب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015