الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، الحمد لله محيي القلوب بعد أن تموت، ومحيي الأرواح بعد أن تهلك، نسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، ونسأله بأنه الحنان المنان أن يحيي قلوبنا، فإنه الذي يخرج الحي من الميت.
وأصلي وأسلم على محيي قلوب البشرية، ومعلِّم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، ورضي الله عن كل تابع وصدِّيق، وعابد وزاهد وخيّر، وتاب الله على كل عاص، وهدى كل ضال، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
في روضة من رياض المصطفى صلى الله عليه وسلم، روضة تحيا فيها الأرواح، ومن أراد أن يحيي روحه وقلبه؛ فما له إلا بيوت الله عز وجل، ولهذا فللحديث الذي معنا في هذا الدرس صلة أيما صلة بموضوع المساجد وموضوع القلوب.
والحياة في الإسلام إنما هي حياة القلوب، والحياة الطيبة إنما هي في اللجوء لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وما تحيا القلوب إلا بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك قال عز من قائل لائماً المعرضين عنه اللاهين عن ذكره، المتلاعبين بأوقاتهم: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16].
ثم أتى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالرجاء وفتح باب النوال، فقال بعدها مباشرة: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:17].
فكما يحيي الله عز وجل الأرض بعد موتها بالمطر، فكذلك يحيي هذه القلوب بالذكر، ولا تحيا قلوب العباد أبداً إلا بالكتاب والسنة، ومن أراد أن يحييها بغير كتاب الله عز وجل، وبغير سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإنما هو يميتها ويهلكها ويفنيها، وفساد القلب كل الفساد هو أن يعرض عن الكتاب والسنة.
عناصر الدرس:
فمع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع حديث طاهر طيب عطر، تفوّه به أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم، ونقله إلينا العابد الزاهد القدوة أبو هريرة حافظ الأمة رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {والذي نفسي بيده؛ لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار، والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء معنا} متفق عليه، وزاد الإمام أحمد في المسند {والذي نفسي بيده، لولا الذرية والنساء لحرقت عليهم بيوتهم} وهذا حديث اتفق البخاري ومسلم على أصله، وانفرد الإمام أحمد في المسند بزيادة الذرية.
وهنا ثماني عشرة قضية، وهي من القضايا الكبرى في حياة المسلم:
أولها: ما حكم صلاة الجماعة؟
ثانياً: هل هي شرط في صحة الصلاة؟
ثالثاً: هل للمسلم أن يصلي الصلاة في بيته، ثم ما هو الأفضل في الجماعة، ثم فضل المسجد الأبعد، ثم لا يَؤُم المسلم مع وجود الإمام الراتب، ومن أولى الناس بالإمامة، ومن حضر فريضة وقد صلى الفريضة هل يصلي ويعيد ومن رأى متنفلاً هل له أن يدخل معه في النافلة.
كل هذه القضايا وغيرها سوف تطرق -بإذن الله- وسوف تكون مجالاً للدراسة في هذه الجلسة، ونسأل الله الهداية والسداد والتوفيق والعون.