القاعدة الثانية: العقيدة عندهم هي المؤثرة في حياتهم عملاً وسلوكاً وأخلاقاً ومشاعراً بعكس غيرهم: قرءوا القرآن رضوان الله عليهم فكان يقول لهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى في القرآن: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219] أي: أن تعلم أن الله يراك، فالنتيجة أنه يراقبك، ويقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7].
قال للإمام أحمد لما سئل: "أليس الله في كل مكان بهذه الآية؟ قال: لا.
أما رأيت أنه بدأ الآية بالعلم وختمها بالعلم ألم تر أن الله يعلم، يعني بعلمه وإلا فالله مستوٍ على عرشه تبارك وتعالى.
فالعقيدة عندهم هي المؤثرة في حياتهم عملاً وسلوكاً وأخلاقاً ومشاعر، نعم يوجد عند المتأخرين من يعتقد لكن لا أثر لعقيدته، يعلم أن الله لا إله إلا هو، وأن الله يعلم الغيب وأخفى, ولكنه لا أثر له في حياته وفي عقيدته، لا خوف من الله, ولا مراقبة, ولا خشية, ولا محاسبة للنفس, ولا أمانة, وهذا خلاف المعتقد الصحيح.
المعتقد عند المتأخرين أصبح مجرداً، أصبح يقول: عقيدتنا في الملائكة كذا، وعقيدتنا في الكتب كذا، وفي الميزان كذا، وفي الحوض كذا، ونقول نحن: فما أثر العقيدة هذه التي عاشها الصحابة رضوان الله عليهم؟
هل قرأت حديث ابن عباس الذي رواه الترمذي والإمام أحمد بسندين صحيحين: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وإن اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف -وفي رواية- واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك} أين هذه الدروس الحارة؟
لماذا لا تعرض الدروس العقدية عرضاً نيراً مشرقاً على طلبتنا وشبابنا وأمهاتنا وأخواتنا في البيت؟ لماذا لا نعلمهم العقيدة في البيت والمدرسة والجامعة كما علم الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه؟
لأن العقيدة اليوم أصبحت أكثرها ردوداً، قالت المعتزلة ورد عليهم أهل السنة، قالت الرافضة ورد عليهم أهل السنة، قالت الأشاعرة ورد عليهم أهل السنة، حتى يقول بعض الأساتذة الأذكياء من العلماء: تحولت الأقسام في بعض الجامعات إلى أقسام ردود، صحيح لا نغفل الردود، لكن لماذا أولاً لا نعطي أولادنا وجيلنا وطلابنا عقيدة أهل السنة من القرآن والسنة ثم نأتي بالردود فيما بعد؟!
ولذلك تجد الإنسان بعد أن يتخرج من الجامعة يعرف كيف يرد على الفرق, لكن سلوكه في واد، والعقيدة في واد, فتعامله في واد والعقيدة في واد، وهذا هو الخطأ الكبير، أتى عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيح- فقال له سفيان بن عبد الله: {يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأله أحداً بعدك، قال: قل: آمنت بالله، ثم استقم} "آمنت بالله" تليها "ثم استقم" فربط العمل عليه الصلاة والسلام بالمعتقد، وربط العقيدة بالعمل، اعتقد واعمل.
الآن يخاف من عقيدة الإرجاء، فقد أصبح الكثير من الناس مرجئة ولو لم يشعر بذلك, حتى تجد بعضهم لا يصلي في المسجد جماعة، ويقول: الصلاة في الجماعة ربما تكون سنة أو واجباً لكن أهم شيء العقيدة، فنقول: من ضعف عقيدتك ومن مرض عقيدتك أنك لا تصلي في المسجد، وقد يقول: أشهد الله أني أحبه وأحب رسوله, ولكني لا أستطيع الصلاة في المسجد، فنقول: نشهد الله ورسوله أنك كذّاب في محبتك, وأنك لو صدقت لصليت في المسجد.
ولذلك ترى بعض الناس يعتبر بعض السنن والواجبات أنها مسائل جزئية، مثلاً: حلق اللحية: فبعض الناس يقول: أنتم لا تتكلمون إلا في حلق اللحية! ويقول: حلق اللحى وإسبال الثياب قشور, والإسلام سهل ويسير ومشرق ورائع فأنتم لا تعرفون الإسلام، فلهذا نقول: الذي يحلق لحيته، والذي يطول ثوبه، إنما فعل ذلك لنقص عقيدته، فانظر كيف تدخل السلوك في العقيدة مباشرة؛ لأنه لو اطمأن قلبه إلى ما أتى به الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتنازل عن هذه السنن , وما كان يحاجج الناس في هذه السنن، وما كانت لتثقل عليه.