وأما كيف تصوم الأذن؟ أو ما هي الأذن التي تريد الصيام؟
هي أذن العبد الصالح، سبحان من ركب فينا الجوارح ثم يحاسبنا عليها! سبحان من جعل التقوى حفظاً له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى! سبحان من يعلم ما يصلح هذا العبد! وهذا الكتاب والقرآن الذي نزل ليصلح هذا العبد، فهو لم ينزل طباً ولا هندسة ولا فلكاً ولا تاريخاً ولا جغرافيا، نزل ليوجه هذا العبد في هذه المعمورة وهذه البشرية إلى الله.
أبو الأعلى المودودي عليه رحمة الله، ذاك الذكي اللماع، العالم الباكستاني الذي يعتبر من صفوة المجددين في الفكر، له كتاب عنوانه " كيف تقرأ القرآن "؟ يذكر في غضونه يقول: نزل القرآن كتاب هداية من السماء.
لم ينزل تاريخاً ولا نزل جغرافيا ولا طباً ولا هندسة ولا فلكاً، وقد وافقه سيد قطب في الظلال على ذلك.
فيا إخواني في الله! إن من حق هذه الأعضاء أن تُحبسَ وأن تُحفظَ ليحفظنا الله عز وجل.
ومما عرف من ذنوب الأذن السماع للباطل، السماع الشيطاني وابن تيمية في كتاب الاستقامة يقسم الاستماع إلى قسمين: سماع رحماني شرعي ديني، وسماع شيطاني طاغوتي إلحادي (أو كما قال) أو كفري أو فسقي أو فجوري على ذاك التفسير.
فأما سماع أهل الإيمان فهو القرآن.
كان عمر رضي الله عنه وأرضاه إذا أحس من نفسه قسوة جمع الصحابة، وقال: يا أبا موسى! اقرأ علينا، وكان يختار أبا موسى؛ لأن أبا موسى رضي الله عنه كان أندى الصحابة صوتاً، فصوته شجي، ونغمته ندية، فكان فيقرأ والصحابة ينكسون رءوسهم ويستمعون إلى القرآن، فتدمع عيونهم ويبكون؛ لا إله إلا الله! كيف عرف الصحابة القرآن؟ كيف عرف ذلك الجيل القرآن وكيف عاشوا مع القرآن؟ لأن القرآن تنزل في حياتهم، يفعل الواحد منهم حادثة فيأتي القرآن يفتيه فيها، يسأل سؤالاً فيأتي القرآن بجواب السؤال، يحضرون المعركة مثل بدر وأحد والأحزاب وحنين فينزل القرآن يخبرهم عن المعركة؛ فلذلك عاشوا حياة القرآن، ومن يقرأ في ظلال القرآن يجد عجباً عجاباً من سبك السيرة في مسار توحيد منهجي خالص.
فيا إخوتي في الله! السماع الرحماني: سماع القرآن، والسماع الشيطاني: سماع الغناء، وأنا أعجب -والله- من كثير من الشباب في جزيرة العرب، جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم، جزيرة أبي بكر وخالد بن الوليد سيوف الإسلام، وأسود المعمورة، وحكماء الدنيا، ويأتي مئات الشباب لا همَّ لهم إلا الأغنية الماجنة، كلما خرج من زيف هؤلاء المنتنين الراقصين المغنين الذين عطلوا مسيرة الأمة حتى في الجهاد والتضحيات، والبذل والعطاء.
هل ينقصنا الغناء؟ أينقصنا خيبة؟ أينقصنا رقص وتطبيل؟
انظروا إلى المذكرات التي يصدرها موشي ديان يقول: جيش إسرائيل لا يعرف الموسيقى ولا المرفهات.
فما لنا نحن حياتنا كلها موسيقى وعزف وناي وأغنيات، ومقابلات مع المغنيين والمغنيات النجوم اللامعة؟!! وهي نجوم مظلمة ما عرفت النور ولا عرفت الحياة، فالحياة مع أهل القرآن، مع أهل الإيمان، الحياة مع أهل الدين الذين يريدون الواحد الديان.
فيا إخوتي في الله! لقد آن لنا أن ننهى أنفسنا عن ذلك؛ لأنه كما يقول ابن القيم: إنه بريد الزنا.
وقال أهل العلم: ما استمع إليه إنسان وداوم عليه إلا أحب الفاحشة.
كيف يرضى الإنسان أن تكون أذنه وبيته وسيارته دائماً أغاني وأغاني؟! عشق وهيام، وليته كلام سديد، ولكن -والله- ما هو إلا كلام قذر، تعرُّض للعصم وللذمم، وتعرُّض لحرمات المسلمين في البيوت، وانتهاك للمروءة وللشرف، يأنف بعض الكفار أن يستمع إليه.
يقول عنترة بن شداد الجاهلي الوثني:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
لكن هنا أصبح الشباب ينظر إلى فتاة أجنبية ليس بينه وبينهما عقد قران، ولا كلمة الله الشرعية، ولا تم صلح الزواج، ويتوله بها، ويجعلها ليله ونهاره، وإلهه الذي يعبده ويحبه، ويسجد لها ويقول:
يا من هواه أعزه وأذلني كيف السبيل إلى وصالك دلني؟!
الوصول على يسارك إلى جهنم!!
يقول ابن القيم: دخل ثعلبان في بيت من نافذة صغيرة وهما جائعان -والثعلب كنيته أبو معاوية- دخل وهو جائع، فوجد هو ورفيقه دجاجاً، فسمى وأكل على الطريقة الإسلامية، حتى أصبحت بطنه أكبر من حجمه، وأكل رفيقه ثم أرادا أن يخرجا فما استطاعا، فقال لصاحبه وهو يحاوره: أين نلتقي إذا خرجنا من هذا المكان؟ قال: أموات في المزبلة.
يقول: إن صاحب الدجاج سيكسر رءوسنا بعد قليل.
فيقول ابن القيم كما في مدارج السالكين: إن الذي يضيع حياته في مثل هذا الغناء والهراء سوف يلقى جزاءه عند الله، ونحن لا نقول من عاطفة كما يقول بعض الناس: هؤلاء لا يعرفون إلا كلمة تحريم! وإلا فالعلماء والمثقفون والمفكرون بعضهم يحلل الغناء لا والله، والله ما استندوا إلى دليل لا عقلي ولا نقلي، بل جزم ابن تيمية وابن القيم وعلماء الإسلام كـ الشافعي وأحمد ومالك وأبي حنيفة أنه محرم ولا يفعله إلا السفلة.
قيل للإمام مالك: هؤلاء المطبلون كيف يكونون عندكم؟
قال: عندنا سفلة الناس في المدينة يفعلون ذلك
نصب المنصب أوهى جلدي وعنائي من مداراة السفل
اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل
ودع الذكرى لأيام الصبا فلأيام الصبا نجم أفل
اهجر الغادة إن كنت فتىً كيف يسعى في جنون من عقل
اتق الله الذي عز وجل
واستمع قولاً به ضرب المثل
اعتزل ذكر الأغاني والغزل
وقل الفصل وجانب من هزل
كم أطعت النفس إذ أغويتها
وعلى فعل الخنا ربيتها
كم ليال لاهياً أنهيتها
إن أهنا عيشة قضيتها
ذهبت لذاتها والإثم حل
واتق الله فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصل
قال هذا ابن الوردي -بيض الله وجهه- في قصائد أهل الإيمان، قصائد أهل التوجه وأهل الأصالة.