ثانياً: أن يصوم عن الكبر، كيف يكون عبداً لله من يتكبر؟ مسكين من يتكبر، ضعيف من يختال على الناس، لم يعرف نفسه ولم يعرف ربه، ولذلك كان السلف الصالح يسمون المتكبرين: حمقى.
قيل لأحد الصالحين: من هو الأحمق؟ قال: "هو من لم يعرف ربه ولم يعرف نفسه".
مر ابن هبيرة -أحد أمراء بني أمية- بجيش عرمرم معه كتيبة خرساء مدججة بالسلاح على خيول متوجة، وعليه ديباج وحرير، أمير نسي نفسه ونسي الله! فقام له الناس جميعاً إلا الحسن البصري لم يقم وبقي جالساً، فنظر إليه شزراً وكبراً: لِمَ لمْ تقم يا حسن وقد قام لي الناس؟
قال: أردت أن أقوم فتذكرت أن فيك ثلاث خصال؛ فما قمت لك - الحسن البصري إمام التابعين، جهبذ علَّامة مُحدِّث زاهد، يُستسقى بدعائه الغمام- قال: أردت أن أقوم لك فتذكرت أن فيك ثلاث خصال؛ فما قمت.
قال: ما هي؟
قال: علمت أنك أتيت من نطفة قذرة -نطفة من ماء {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:7] وتعرف من أين مخرج الماء.
قال: وعلمت أنك تحمل في بطنك العذرة (الغائط).
والأمر الثالث: أنك تصير جيفة مذرة ترمى في التراب كما يرمى الكلاب؛ فما قمت لك، فنكس رأسه خجلاً أمام الناس وذهب وهذه معرفة الموحدين بقدر المتكبرين.
وورد أن المهدي الخليفة العباسي، دخل مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فقام له الناس جميعاً إلا المحدث الكبير والخطيب الشهير ابن أبي ذئب فما قام له!
فقال الخليفة: يا ابن أبي ذئب! قام الناس جميعاً لي إلا أنت؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو إني أردت أن أقوم لك فتذكرت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت قيام هذا اليوم لذاك اليوم.
قال: اجلس والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت.