يقول الأستاذ علي الطنطاوي عن المسجد: ميزة المسجد أنه يساوي بين الناس، فيأتي الخطيب يوم الجمعة، فلا يقدم مقدمات للصفوف الأولى، لا.
يقول: يا جنرالات، ولا يا أمير المؤمنين، ولا يا مهندس، ولا يا فخامة فلان، إنما الناس سواسية يتكلم لهم بقوة، ويجب عليهم أن يسمعوا وأن يصغوا لما يقول.
ثم المسجد ميدان للشورى وبرلمان حافل لتبادل الآراء، والإسلام لا يقتل الكلمة، أنت رجل وأنا رجل، وأنا إنسان وأنت إنسان عليّ أن أسمع منك وتسمع مني قال تعالى في الكافر: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] فكيف بالمؤمن.
قال ابن إسحاق: وقف عمر رضي الله عنه وأرضاه على المنبر يخطب الناس فقال: [[أيها الناس: ما رأيكم لو صدفت عن الطريق هكذا -أي ملت في العدل والدولة، أو ملت عن الإسلام والشريعة- فسكت الصحابة أي: هائبين ومقدرين لـ عمر رضي الله عنه- فقام أعرابي من آخر المسجد معه سيفه -فأخرج سيفه وقال: يا أمير المؤمنين! والذي نفسي بيده، لو ملت عن الطريق هكذا، لقلنا بالسيوف هكذا، لو كانت هذه الكلمة قيلت لغير عمر لقال: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة:30 - 31] فقال عمر: الحمد لله الذي جعل من رعيتي من إذا قلت عن الطريق هكذا، قالوا بالسيوف هكذا]].
وروى أهل العلم كـ الذهبي وغيره أنه عمر قال مرة: [[أيها الناس! اسمعوا وعوا -على المنبر- قال سلمان: والله لا نسمع والله لا نعي، قال ولمَ؟ قال: تلبس ثوبين وتلبسنا من ثوب ثوب -لأنه أتى بلباس من اليمن هدايا، فكان عمر طوالاً، فأخذ ثوب ابنه عبد الله وثوبه- فقال عمر رد عليه يا عبد الله، فرد عليه وقال: هذا ثوبي من بيت مال المسلمين أعطيته أبي فلبسه مع ثوبه، قال سلمان: الآن قل نسمع وأمر نطع]] واندفع عمر يتكلم.
نعم.
والحق شورى والحقوق قضاء.
يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه
أيها المسجد يا مأوى الحنين فيك يا مسجد فجر المؤمنين
فيك أطياف الهدى قد سبحت وسرى في قلبك الحب الدفين
وبلال الشوق نادى سحراً ادخلوها بسلام آمنين
يا مسجداً ما أجملك ما خاب عبد أملك
إن تحم عيني أن تراك جعلت قلبي منزلك
القلب حن إلى رؤاك نادى جنابك هيكلك
منك يا مسجد الطموح انطلقنا كالضياء الجميل في الآفاق
ورسمنا خلودنا من معانيك وفي راحتيك أحلى العناق
صوتك العذب بـ نهاوند أضحى يتهادى إليه أهل العراق
أشكركم شكراً جزيلاً على استماعكم وما بقي من وقت فللأسئلة، وأكرر شكري للنادي الأدبي الرائد الحافل، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.