الحبشة يلعبون بالحراب في مسجده صلى الله عليه وسلم، هذا ليس حكماً مطرداً، وينص عليه أبو حامد الغزالي صاحب الإحياء وقد أجاد كل الإجادة، وقال: مثل من يرى سنة من السنن فعلها صلى الله عليه وسلم أو أجازها لحكمة في الدعوة أو في العلم كمثل من رأى الحشبة أو سمع بهم أنهم لعبوا بالحراب في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مرة من الدهر، فكلما أتى إلى المسجد أخذ حربة ورقص قبل الصلاة قليلاً ثم صلى فإذا قلت له: مالك؟ قال: الحشبة رقصوا بالحراب، وهذه لا تسمى سنة مطردة، بل هي مفاجأة وطارئة لحدث وهو أنه أراد صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم، أناس دخلوا في الإسلام لأول وهلة وأرادوا أن يتحفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء فاجتمعوا صفين وأخذوا الحراب، وأخذوا يرقصون ويقولون: محمد عبد صالح، محمد عبد صالح.
هذا تحصيل الحاصل، وإلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من ذلك، هذا من شعر بعض الناس في المخيمات يقول:
رأيت الحق منهزماً فليت الحق لم يهزم
أبرد من الثلج، فهذا شعرهم، هكذا يقولون: محمد عبد صالح، محمد عبد صالح، فأشرف عليه الصلاة والسلام عليهم وإذا عمر لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ يحصبهم بالحصى، وكان عمر قوياً في دين الله، قال صلى الله عليه وسلم: {دعهم يا عمر ليعلم يهود أن في ديننا فسحة} والمقصد من ذلك: تأليف قلوبهم للإيمان.
القضية أكبر من قضية اللعب، تأتي إلى إنسان يغني وهو لا يصلي، قال أهل العلم: لا تتكلم له في الغناء؛ لأن القضية أكبر من ذلك، أتى صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة وهم يعبدون الأصنام، ويسجدون للأوثان ويشربون الخمر، أينهون عن الخمر في الحرم؟ لا.
يقول ابن تيمية: إن الطبيب إذا شكا من جسمه مرضين مختلفين داوى الأخطر، فالحكمة أن يبدأ بالأهم، والمقصود هنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركهم فسحة في المسجد، فأخذوا راحتهم فلما رأوا أريحيته؛ أسلموا عن بكرة أبيهم.