ربط النبي صلى الله عليه وسلم أسيراً في المسجد

من اللطائف عن المسجد: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ربط أسيراً في المسجد، وهذا يدل على جواز ربط الأسير -ولو كان كافراً- في المسجد، وجواز إدخال الكافر للتعليم، لأن يسمع كلام الله في المسجد، استدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة في الصحيحين: أن ثمامة بن أثال، وهو سيد بني حنيفة، أراد أن يهاجم الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، وكان قائد بني حنيفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أعدو عليه إن شاء الله، فأرسل عليه أبا سليمان خالداً سيف الله المسلول.

تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها

وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها

ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا خاب راميها

فصاده خالد كما يصاد الثعلب، وأتى به إلى المدينة وربطه في المسجد، وخرج عليه الصلاة والسلام على هذا السيد، وكان من رجالات العرب، قال: يا محمد! إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم يقول -انتبه: إن عفوت عني سوف أحفظ جميلك، وإن قتلتني فلا تظن أن دمي سوف يذهب هدراً، ورائي ألوف- فتركه عليه الصلاة والسلام وصدف عنه، وكان يسمعه آيات الله البينات في الصلوات: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] منطق العقل والحجة والبرهان لا تضربه ولا تقتله حتى تحاوره وتناقشه وتفهمه: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] فلما سمع كلام الله ثلاثة أيام، قال: أطلقني يا محمد، فأطلقه، فذهب إلى النخل واغتسل وأتى وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

إن من الحكمة أن يؤتى برجل ولو كان كافراً، يسمع كلام الله، يسمع الخطبة، يسمع قراءة الإمام، فإن هذا جائز عند أهل العلم، نصوا على ذلك لحديث في الصحيحين.

والمقصود الأعلى في هذا: أن نسمع الناس الحجة، أن نسمعهم كلام الله، أن نبلغ دوعتنا للناس، وهاهو قد مر علينا قرنان من الزمان لم نقدم للبشرية شيئاً ونحن عالة عليهم في عالم المادة، فالواجب أن نقدم لهم الإيمان كما يقول كريسي موريسون: قدمنا لكم الثلاجة والبرادة والطائرة والصاروخ وما قدمتم لنا الإيمان.

هم يريدون الإيمان، فأين من يقدم الإيمان؟ حتى الإبرة والطباشير مستوردة منهم والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فيا ليت أننا ارتفعنا في عالم الإيمان، يوم نكصنا في عالم المادة، ولا يعني ذلك أن عالم المادة هو العلم المقصود، فالله يقول: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015