المسجد منتدى لاستقبال الوفود

جعل الرسول عليه الصلاة والسلام المسجد هو المنتدى الرحب لاستقبال الوفود، ورسل الملوك، وممثلي القبائل، كل وفد يستقبله صلى الله عليه وسلم في المسجد لأنه المكان المناسب لتبادل الرأي والشورى والحكمة، وللأخذ والعطاء.

بل أكثر الوفود، ما وفدت عليه صلى الله عليه وسلم إلا وهو في مسجده، وفد عبد القيس، وفدوا عليه وهو جالس بعد صلاة العصر، قال: من الوفد؟ والرواية عند مسلم من حديث ابن عباس، قال: من القوم؟ -وقيل: من الوفد؟ - قالوا: ربيعة، قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى- خزايا: جمع خزيان، وندامى: جمع نادم أو ندمان- قال: إني آمركم ثم سرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمور الإسلام، ثم ودعهم من المسجد، وجلس عليه الصلاة والسلام طيلة عمره، وغالب أوقاته في المسجد يعلم، ويخطب ويفتي، ويتكلم ويرشد ويعقد الرايات -كما سوف يأتي- ويدير شئون الأمة الإسلامية من مسجده صلى الله عليه وسلم.

كريسي موريسون أمريكي مطلع كاد أن يسلم لكن لا أدري ماذا حدث له؟ يقول: في كتاب الإنسان لا يقوم وحده: ليس العجب من محمد أن يبعث نبياً فقد بعث الله أنبياء قبله، ولكن العجب أن يبقى أربعين سنة لا يتعلم ثم يخرج إلى الناس فإذا هو أخطب خطيب، وأفتى مفتي.

إنها حكمة الله: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4].

يقول أيضاً: ما للنحلة تغادر خليتها وتذهب ثم تعود برحيق الزهر؛ من الذي علمها أن تعود إلى خليتها؟ أعندها آريال؟ قال سيد قطب: ليس عندها آريال، ولكن عندها: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68].

وهذا إنما هو استطراد، والمقصود: أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج للناس هكذا، ثم أصبح في المسجد فإذا هو أعلم الناس والله يقول: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] ولو كنت تكتب لقالوا: كتبت القرآن ولو كنت تقرأ لقالوا: قرأت صحف الأولين، ولو كنت تقول الشعر، لقالوا: نظمت كتاب الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] إنك أتيت أمياً للأمة الأمية فأخرجتها من صحراء الوثنية والتخلف؛ صحراء الإبل والبقر والغنم إلى ضفاف دجلة والفرات، وإلى قرطبة وسمرقند، وطاشقند والسند، يهللون ويكبرون ويسبحون بحمد الله، أليست هذه معجزة؟ بل هي أكبر معجزة في تاريخ الإنسان، يقول محمود غنيم:

أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه

ليس المعجزة فقط في أن تحول الطعام القليل إلى كثير، أو تفجر من الصخر ماء، لكن المعجزة الكبرى أن تخرج أمة هي تتقاتل على موارد الشاة، إلى أمة تتكلم بألسنة الدهر وتخطب على منابر التاريخ، هذه أعظم معجزة له عليه الصلاة والسلام.

يقول شوقي:

أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم

والمقصود: أن عيسى عليه السلام أحيا ميتاً بإذن الله، فأنت أحييت -بإذن الله- ملايين مملينة، وانطلقوا من المسجد، فما من منارة في الدنيا يذكر عليها الله ويؤذن إلا واسم الرسول صلى الله عليه وسلم معه، يقول مجاهد بن جبر رحمه الله مفسر مكة قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] قال: ما ذكرت إلا ذكرت معي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد

فذكره دائماً يدوي عليه الصلاة والسلام من على المنائر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015