ورسولنا عليه الصلاة والسلام اعتنى بتربية الأبناء، بل هو المربي الأعظم، وهو الذي نشر الفضيلة في الجيل، وهو الذي أنقذ الله به أهل الضلالة من ضلالتهم وأهل العمالة من عمالتهم
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: {يا بني! إن استطعت أن تنام وليس في قلبك غش لأحد فافعل} وهذا الحديث حسن.
عليك الصلاة والسلام يا من علمت أجيال الأمة الأدب! ويا من غرست في قلوبهم المعتقد! ويا من حركتهم للهمم العالية!
انظر إليه صلى الله عليه وسلم كيف كان يربي ويعلم، وكيف كان يوجه الجيل.
في سنن الترمذي بسند حسن عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما قال: {كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا غلام! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله.
قال: يا غلام! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله.
قال: يا غلام! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله.
قال: إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.
فهل أوحى الآباء لأبنائهم بهذه الكلمات؟ وهل سجل الآباء هذه الكلمات في صدور أبنائهم بأسطر من نور؟ وهل قال الأب لابنه في الصباح الباكر، وهو يودعه إلى مدرسته أو إلى عمله أو إلى مزرعته: احفظ الله يحفظك؟ إنها وصية الله للأولين والآخرين، إنها الوصية التي لما افتقدناها من بيوتنا ومن مجتمعاتنا -إلا من رحم الله- قلَّت القلوب الواعية، وكثرت المخالفات والمعاصي، وأصبحنا نتذمر من المسئولية.
هذا نثر وإن كان في النثر سعة ففي الشعر مجال أوسع، يقول أحد علماء الأندلس وقد أخذ يوصي ابنه ويقول له:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
إنه غرس الرقابة والخشية في قلوب الأبناء، لينشئوا والخوف يملأ قلوبهم من الواحد الأحد، وهي تربية الإيمان التي أرادها صلى الله عليه وسلم، هذه هي بضاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وليست من ميراث كانت ولا ديكارت أعداء البشرية، الذين يقولون: ينبغي أن يربى الابن شاكاً قبل أن يكون متيقناً؛ شاكاً في الله، شاكاً في اليوم الآخر، شاكاً في الرسالة الخالدة، والله قد جعله مولوداً على العبادة وعلى التوحيد والاستقامة.
ويقول الأندلسي الآخر وهو يوصي ابنه:
أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى ما فيه حظك لو عقلتا
إلى علم تكون به إماماً مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا
ويجلو ما بقلبك من عماها ويهديك السبيل إذا ضللتا
فهل وعى أهل الإسلام هذه الوصايا الخالدة؟