النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم

اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، ومثلما نقول، وفوق ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، أنت رب الطيبين، أنت سند الملتجئين، أنت عضد المهضومين، أنت رب الأحباب الأخيار المتجهين إليك، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.

والصلاة والسلام على رسول الله، سيف الحق الذي قصَّر الله به آمال القياصرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، الذين طغوا وبغوا فأرداهم ظلمهم في الحافرة، صلى الله على محمد، أُذُن الحق والخير التي وعت رسالة السماء فأدتها للبشرية، صلى الله على محمد لسان الصدق، أفصح لسان أدَّى العبارة متجهة إلى البشر.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

ولو أنه حسن فريد عذرته ولكنه حسن وثانٍ وثالث

وإننا لنقف في رحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن كان للعمر لذة، وإن كان للحياة مواهب، وإن كان في العيش سعادة، فإنما هو في قطف رياضه صلى الله عليه وسلم:

من زار بابك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن

فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن

إن كان عيسى عليه السلام أحيا الله عز وجل به الأموات، فو الله لقد أحيا الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه وسلم آلاف بل ملايين القلوب.

وإن كان عيسى عليه السلام أبرأ بإذن الله الأكمه، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أبرأ الله به كمه البصائر.

وإن كان عيسى عليه السلام شافى الله به البرص، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم شافى به الله برص المعارف:

أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم

وإن كان للرسول عليه الصلاة والسلام معجزة بعد القرآن، فمعجزته صلى الله عليه وسلم أن يخرج مثل هذه الوجوه، ومثل هذه القلوب -آلاف المرات- من الصحراء:

أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الصحراء أحياه

إنها معجزة ما بعدها معجزة!! وأنا على شرف ما قدم لي أخي وزميلي، وقال ما لست بأهل له، فأنا أستغفر الله من الحقارة ومن الذنب والتطفل على موائد أهل العلم، ولكن:

لعمر أبيك ما نسب المعلى إلى كرم وفي الدنيا كريم

ولكن البلاد إذا اقشعرت وصوح نفتها رعي الهشيم

شرفي كل الشرف أن أجلس على مائدة محمد صلى الله عليه وسلم: فأقطف من أزهاره ما قد شذى أنفاسها في أعراقكم، وأعذق من رحيقها ما قد تسنمتموه من ليالٍ وأيام قبلي وقبل هذا المجلس.

نعم.

إن وصاياه خالدة صلى الله عليه وسلم، وإنها حية للأجيال، ولذلك يقول المثل: (كلمات السادات وسادات الكلمات) فكلما نبل الرجل وعظم وشرف كانت كلماته أشرف من كلمات غيره، فما بالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كلماته نور؟!

ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء

يصور الكلمة، ويصبغ العبارة، فتحيي من أهل الصحراء ومن أرض الصحراء أمة مهللة ومكبرة تفتح الأبحر والمحيطات.

ولذلك في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوتيت جوامع الكلم} أي اللفظ العجيب الموجز، الذي يجمع الفوائد والعبارات الطويلة في لفظ قصير، وإن كان كلامه صلى الله عليه وسلم يفوق كلام الناس فلا غرو، فهذا التراب الذي نطؤه بأرجلنا خلق الله منه الإنسان، وصوره منه، فلا غرب ولا عجب، أن يأتي صلى الله عليه وسلم ليصنف من كلامنا الذي نهذوا به الساعات الطويلة عبارات حية، رائقة رائعة، يحيي الله بها النفوس والأرواح.

ولذلك روى الإمام أحمد في مسنده بسند حسن، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه قال: {خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا النبي الأمي، أنا النبي الأمي، أنا النبي الأمي، أوتيت جوامع الكلم وخواتمه وفواتحه، واختصر لي الكلام اختصاراً} وروى أبو يعلى عن عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختصر لي الكلام اختصاراً، وأوتيت جوامع الكلم وخواتمه وفواتحه} وعند الدارقطني عن ابن عباس قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختصر الله لي الكلم اختصاراً} فمع كلام محمد صلى الله عليه وسلم، ومع عذوبته، ومع وصاياه، فإنه أصدق ناصح عرفته البشرية للبشرية، وأصدق واعظ عرفته الإنسانية للإنسانية وأخطب خطيب، وأفصح فصيح تمثل في كيان البرية للبرية.

موضوع الوصايا يدور على ثلاثة عناصر:

أولها: خصائص وصاياه صلى الله عليه وسلم: ما هي هذه الخصائص التي تميز وصاياه عن وصايا الناس؟ هل هناك فارق بين وصاياه ووصايا غيره مهما بلغ غيره من المدح، والعلم، والتقوى، والسمو، أم هي الوصايا سواء في ميزان واحد؟

والعنصر الثاني: الأبواب التي طرقها صلى الله عليه وسلم بالوصايا، والطرق التي قصدها صلى الله عليه وسلم بالنصائح.

والعنصر الثالث: قيمة وصاياه صلى الله عليه وسلم في ميزان النصح، وفي ميزان النفع عند العقلاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015