التخلف الحضاري

ومنها التخلف الحضاري، ولا أعني به أمور الدنيا، فهذا مما يجب علينا أن نقدمه، لكن هناك تخلف حضاري أعظم من أمور الدنيا، عدم معرفة الأدب الحضاري الذي أتى به الرسول عليه الصلاة والسلام، وإلا فنحن متخلفون في الحضارة المادية، فالطباشير عندنا مستوردة وكذلك الأستاذ والكرسي والماسة وليس عندنا شيء.

لم نقدم للبشرية شيئاً، نحن علينا أن نأكل ونشرب ونلبس، لكن الحضارة الدينية الموروثة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، حضارة الإيمان، حضارة لا إله إلا الله، يتحراها الناس منا في الأدب، والغرب مخفقون في عالم الروح، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [النمل:66] عندهم عالم الشهادة لا عالم الغيب، عندهم عالم الجسم لا عالم الروح، عندهم عالم المادة لا عالم ما وراء المادة، ونحن عندنا الجانبين، لكن حين هدينا الإنسان للنور وأسمعناه كلمة الحق، وقدمنا له نموذجاً حضارياً عن حياتنا وجلوسنا وطعامنا، والرسول صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً، ولا ترك الإسلام شيئاً، والله يقول له يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] هل كان عند الرسول صلى الله عليه وسلم يوم قال الله: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} هل كان عنده صوامع غلال؟ هل كان عنده مستشفيات؟ هل كان عنده خطوط مزفلتة؟ هل كان عنده خطوط مواصلات وهاتف؟ ويقول الله له: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} ينام ولا يشبع من خبز الشعير ثلاثة أيام، ويقول الله له: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} يلبس الممزق من الثياب، ويقول الله له: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} يسكن بيت الطين ويقول الله له: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} يضع الحجر على بطنه ويشده عليه الصلاة والسلام، ويقول: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فأي نعمة؟ إنها نعمة الإنقاذ، نعمة الخروج من الظلمات إلى النور، نعمة أن يعرف الإنسان ربه، معرفة طريق الهدى، والاستقامة، وتحرير الإنسان من أن يسجد للطاغوت أو للجزمة أو للوظيفة أو للسيارة، أن يكون مشرقاً حياً، قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257] وقال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد:1 - 2] أي نعمة أن يدخل ربعي بن عامر ممزق الثياب على رستم، وعلى رستم تاج من ذهب، فيدعوه إلى لا إله إلا الله، ويضحك منه رستم ويقول: تفتح الدنيا بالرمح المثلم والفرس العقور؟! فيقول ربعي الشاب المخلص: نعم.

[[جئنا كي نخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015