الترف

وكم أترفت الأمة! والترف سبيل إلي إحباط الشعوب، وليس وسيلة حية في إحيائها، بل هو من النكبات في حياة الأمة، يقول سبحانه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الاسراء:16].

كان آخر سلاطين بلاد الأندلس، وهو من آل الأحمر، فلما مات هذا السلطان أتى ابنه وكان مدلالاً، يعيش مع الموسيقى الإيطالية الحالمة إلى الساعة الثانية ليلاً، وكأس الخمر سهل عنده، كالوتر ولعب البلوت والكيرم، وكانت أمه عصامية تنصحه قالت: يضيع سلطانك بهذه الطريقة، فرفض، وفي لحظة من اللحظات اكتسحه الأسبان فأخذ يبكي عند الباب، فتقول أمه:

ابك مثل النساء مجداً تولى لم تحافظ عليه مثل الرجال

وابن عباد كان عنده سبعمائة جارية في القصر، وكان إذا أراد بناته أن يخرجن من القصر إلى القصر فرش لهن الكافور والطيب، ومشين على الكافور والمسك إلى القصر الثاني، ولما أتى الترف اكتسحه ابن تاشفين، وابن تاشفين مسلم، فماذا كان حاله؟ سجن هو، وأتت بناته يزرنه حافيات ليس عليهن إلا ثياب ممزقة، فلم يجدن حتى الحجاب، فلما رأى بناته، كاد ينصدع قلبه، فبكى بكاءً مريراً، وأنشد قصيدة حارة ساخنة يقول:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعةً يغزلن للناس ما يملكن قطميرا

يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا

وهذا نتيجة الترف والضياع الذي تعيشه الأمة، ترف في البيوت، وترف في كثرة المباحات، وترف في تجاوز حدود الله عز وجل، حتى وهنت الأمة وأصبحت لا تستطيع أن تجاهد، ولا أن تدافع عن نفسها، وقارن بين الشعوب التي أصيبت، ما هو موقفها من الأحداث؟ مثل بعض الشعوب لما أصيبت لم نر منها جهاداً وما رأينا وقوفاً صامداً.

والبعض مثل أهل أفغانستان لما استولت الشيوعية على الحكم في كابول خرجوا في اليوم الثاني من مسجد جامع بالكلاشنكوف وهم يرددون:

نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا

والجزائريون سحقوا فرنسا، والرئيس الفرنسي لما رأى أهل الصحوة في الجزائر يقتربون من الحكم، أنذرهم، فأرسلوا له رسالة فقالوا: إن كنت تريد أن نلقنك درساً ثانياً فتعال، فأخذ لسان حاله يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.

تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي مربض المستأسد الضاري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015