إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
وقبل أن أبدأ، هناك مسألة ولعلها ليست غريبة عليكم، وهذه من المسائل التي يكثر السؤال عنها، وهي: الفيديو والتصوير في المحاضرات، والذي أقتنع به أنه لا بأس بأن ينقل الصوت الإسلامي عن طريق الفيديو بعد تأمل واستقراء، وقد سألت سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز مباشرة بالهاتف، وقد تكرر هذا في كثير من المجالات، وكان معي الشيخ/ سعيد بن مسفر، وأجاز فضيلته ذلك للمصلحة التي تكمن فيه، وعلم الله أنه لا مجال للإنسان في أن يرد النصوص إذا صحت عنده، ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يقف ضد كلام المصطفى عليه الصلاة والسلام.
لكن هذا الفيديو، رأينا أنه وسيلة من وسائل الدعوة، أنا أريد أن يدخل الفيديو الإسلامي البيت الذي كان يدخله الفيديو المهدم، ليسمع به أهل البيت: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] ليسمعوا فيه قول الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2] ليسمعوا من خلاله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].
ثم لا أحجر على أي أحد من الناس أن يعترض على هذا، فهو اجتهاده، أما أن يأتي ويدعي أني عارضت النصوص، ورميت بها عرض الحائط فمعاذ الله، بل أجعل وجهي على التراب يوم يأتي النص من المعصوم عليه الصلاة والسلام، ثم أحاول أن أجد له مخرجاً، لا يكون هذا أبداً، ودونه قطع الرءوس والجماجم، وإسالة الدماء، وهذه مسألة أحببت أن أذكرها لكم، وما سمحت بهذا الفيديو إلا بعد تأكد وتيقن من مصلحته في نقل الدعوة والتأثير في الناس، وكما قيل: ليس الذكي الفطن الذي يعرف الخير من الشر، فجل الناس يعرفونه، لكن الذكي الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين.
عناصر هذه المحاضرة: (واجب الأمة عند نزول الغمة):
أولاً: أخطاؤنا: الخواء العقدي، التلوث الفكري، نسبة الخطأ إلى الغير، عدم الجدية في الالتزام، خلل في الصف.
ثانياً: الذنوب الكبرى التي تعيشها الأمة: الإعراض؛ الترف؛ نقض الميثاق؛ نسيان الذكر؛ عدم التآمر والتناهي.
ثالثاً: العقوبات والمثلات: موت القلوب؛ السنين والقحط، الهلاك الظاهر، الريح، الصيحة، الغرق، الخسف، انطماس الهوية، التخلف الحضاري.
رابعاً: أسباب الإنقاذ: أين العلماء؟ بناية الحصون المهدمة، إعادة بناء المناهج، تحدي شبح الموت.
خامساً: الفرج من الله: ويكون ذلك بصدق اللجوء إليه، والتوكل على الواحد الأحد الذي لا يموت، والتوبة النصوح، ونصرة الله في الأنفس والحياة.
السادس: التعلق بمصادر العزة: الولاية الكبرى لنا وليس لغيرنا، القدوة الخالدة إمامنا وشيخنا وليس غيره، ميراث الوحي، أمة الخلافة في الأرض.
سابعاً: واجبنا نحو الجيل العائد إلى الله: حماية السلوك بالمنهج الرباني، إظهار محاسن الدين للأمة، الذب عن أعراض الصالحين، ربط الجيل بالعلماء، فتح مجالات التأثير للدعاة.
أيها الإخوة الكرام: نحن نعيش حدثاً عالمياً، وأصبح مصير الأمم بيد رجل واحد، ينتظر منه أن يقول الكلمة الحاسمة في مصير الشعوب، أن يقول نعم أو لا.
وأصبح الناس ينتظرون إلى هذا التاريخ الموقوت، والموعد المسمى، وكأنهم ينتظرون القيامة، قال تعالى: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:1 - 2] وأصبح الأطفال يحسبون لخمسة عشر يناير ألف حساب، ويعيشونه في أذهانهم، وفي بيوتهم، وفي أيامهم ولياليهم.
متى كنا أمة تخاف الموت، ومتى كنا نسلم أرواحنا على أكفنا.
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
أما كان أنس بن النضر يقول: [[إليك عني يا سعد، والذي نفسي بيده، إني لأجد ريح الجنة من دون أحد؟]] أما كان المجاهد الصنديد العقدي الموحد في المعركة يلبس أكفانه ويتوضأ، ويبيع نفسه من الله؟! من الذي شهد على المبايعة؟ ومن الذي وقع على المعاهدة؟ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] أليسوا أجدادكم يا حملة التوحيد؟ أليسوا آباءكم يا أهل لا إله إلا الله؟ وسوف يتكرر الجيل الذي لا يخاف الموت متى التزم بمبدأ إياك نعبد وإياك نستعين، وقد رأينا زملاءكم وكثيراً منكم ممن ذهب إلى أفغانستان يقدم جمجمته لجنزرة الدبابة، فتشدخ رأسه في سبيل أن تبقى لا إله إلا الله، وينسحب الملاحدة الروس وهم كُثر؛ لأن الذي واجههم صف لا إله إلا الله، قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] ولكن أخطاءنا انكشفت لنا مع الأحداث:
جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي
وجزى الله الكوارث، يوم تنتج للأمة معرفة الخطأ.
مصائب قوم عند قوم فوائد
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55].
وعند البخاري من كلام معاوية رضي الله عنه وأرضاه في باب الأدب: [[لا حكيم إلا ذو تجربة]] ومن لدغته التجارب عرف وتيقن وأبصر، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: {لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين} بل يكفيه لدغة واحدة لينتبه للمصير.