عبر من وفاته صلى الله عليه وسلم

يا من أراد العبرة من وفاته صلى الله عليه وسلم! فأعظم عبرة أن تتجه وأن تستقيم على مبدأ لا إله إلا الله، وأعظم موعظة وأعظم نصيحة أن تأخذ ميراثك وحظك من تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كانت تركته أموالاً، ولا سيارات، ولا قصوراً، ولكن قرآن وسنة، قال أبو هريرة لأهل السوق وهم في المدينة: [[يا أهل السوق! تتبايعون بالدرهم والدينار، وميراث محمد صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد، فهرعوا إلى المسجد، وتسابقوا إلى المسجد؛ فرأوا حلقات الذكر، ورأوا القرآن والحديث -ومسائل تطرح، مجلس مثل هذا المجلس العامر- فقالوا: أين التركة يا أبا هريرة؟ أين الميراث يا أبا هريرة؟

قال: ثكلتكم أمهاتكم؛ وهل ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً أو ديناراً، إنما ترك العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر]].

فأكبر عبرة أن تنقذ نفسك من غضب الله، باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].

والعبرة الأخرى: أن تعلم أن قضية التوحيد أخطر قضية في حياة الإنسان، كان ينادي بها صلى الله عليه وسلم قائماً وقاعداً وعلى جنبه، وفي حياته وفي مماته، في سكرات الموت يقول: لا إله إلا الله، وفي سكرات الموت يقول: {لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}.

والعبرة: أن الرسالة باقية، وأن هذا الدين لا يموت، قد يمرض أهله، ولكنه لا يمرض، لا تصيبه حمى أبداً، لأنه دين محفوظ من عند الله، قال الله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].

وعبرة أخرى: وهي أن الدنيا تافهة وحقيرة، فعجباً لعبادها! وعجباً للساجدين لها! وعجباً لمن يركع عند أبوابها! أما اتعظوا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أما أخذوا درساً من رسالته؟ أما سمعوا ما فعل يوم ما ترك إلا الجميل والعمل الصالح؟

لا نقول للناس: اتركوا الأموال، واخرجوا من القصور، ولا تركبوا السيارات، ولكننا نقول: اسكنوا في القصور، واجمعوا الأموال، واركبوا السيارات، ولكن لا تنسوا نصيبكم من الحي القيوم، اذكروا حفرة ضيقة، اذكروا لقاءكم عند الله يوم تأتون حفاة عراة غرلاً بهماً، اذكروا يوم يقول الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]:

ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

وعبرة أخرى: أن المسلم لا يهمه ولا يشغله عن الله شاغل، ومن شغله عن الله شاغل شغله الله، وطبع الله على قلبه وأنساه ذكره، فالرسول صلى الله عليه وسلم على كثرة أعماله وأشغاله، وعلى كثرة ما ينوبه من أغراض وأعراض ما نسي الله لحظة واحدة، حتى في سكرات الموت يقول: لا إله إلا الله! ويوصي بحقوق الله ويقول: {الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم} فالله الله في ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

وعبرة أخرى تؤخذ من سياق وفاته صلى الله عليه وسلم: وهي أن الموحد حقاً لا يحتج بالأحداث، لأنه يعيش لله ويموت لله ويبعث إلى الله، فـ أبو بكر ما خارت قواه، وما انهد ولا انهزم ولا فشل في ذاك الموقف، بل علم أنه يعبد الله حياً لا يموت، وأنه يعبد باقياً سُبحَانَهُ وَتَعَالى ودائماً دواماً سرمدياً، فالتجأ إليه، وأخبر الناس أن كل إنسان يموت، فمن كان يعبد محمداً فإنه قد مات صلى الله عليه وسلم، ولكن الله لا يموت.

وعبرة أخرى: أن لكل مسلم ساجد سهماً في التركة، فالله الله لا تترك سهمك، فإنك إن تركت سهمك قيض الله من يأخذ عنك، واستغنى الله عنك والله غني حميد، فخذ حظك من هذه التركة، وخذ سهمك من هذا الميراث؛ لتلقى الله وأنت سعيد يشهد لك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأسأله كما جمعنا في هذا المكان أن يجمعنا به صلى الله عليه وسلم.

نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا

نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا

ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا

تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32] فأكثروا -أيها الناس- من الصلاة والسلام على رسول الله، واتبعوه ظاهراً وباطناً، واحرصوا على سنته، فإن تعظيمه حق التعظيم وتوقيره حق التوقير عليه الصلاة والسلام في التمسك بسنته، وفي الأخذ بآدابه، وفي اغتنام سيرته والتمثل بها في الحياة؛ لنلقى الله وقد رضي عنا ورضينا عنه.

ربنا تقبل منا أحسن ما عملنا، وتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

اللهم إن هذه الوجوه قد اجتمعت في مرضاتك، وهذه القلوب تحابت في مودتك، فنسألك يا حي يا قيوم ألا تحرمنا شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأسقنا من كوثره ومن حوضه المورود، يوم يرد الناس ظامئون فيروى من اتبع السنة، اللهم أسقنا وأسق كل واحد شربة لا يظمأ بعدها أبداً.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015