أن الله عز وجل من حكمته أن جعل لكل شيء ضداً، قال الشاعر:
ولكل شيء آفة من ضده حتى الحديد سطا عليه المبرد
فجعل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للنار ضداً وهو الماء، وجعل ضد الظلمة النور، وضد الليل النهار، وضد الحلو الحامض، وضد الحار البارد، فلكل شيء ضد، ثم نقل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هذه السنة في الناس، فجعل للصالحين ضداً؛ قال سبحانه: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] والآية السالفة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان:20] فهذا يفتتن بهذا وهذا، وينغص على هذا، حتى يقول ابن الوردي:
ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل
لو اعتزلت في قرية لبعث الله لك من ينكد عليك ومن ينغص عليك، أحياناً تقف تنتظر أمراً، فيرسل عليك ثقيل الدم، فينغص عليك، والقرية الواحدة تجد فيها تباين الأفكار: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118].
يختلف الناس حتى في الأمور الاعتيادية البسيطة التي قد لا تبنى عليها أحكام، الرجل في أسرته إذا استشارهم في أمر بسيط حتى في وجبة ماذا يكون الغداء اختلفوا بين يديه، فتجد الأغلبية تريد كبسة، ومنهم من يريد عصيدة، ومنهم من يصوت على المرق، ولا يزالون مختلفين لأن الله باين بين الأمزجة، والإجماع عزيز حتى في أمور الناس الاعتيادية، فكيف بالأمور الكبرى؟!
فقصدي من هذا: أن سنة التدافع جارية، فلا يظن الداعية أو حامل الحق، أو من عنده مبدأ الشريعة، سواء في الأدب أو في الدعوة أو في الفكر أو في أي منحىً من مناحي الحياة أنه سوف يسلم ممن ينغص عليه، بل سوف تجد من يعترض عليك، ومن يكذبك ويرى أنك مبطل، وأنك متطرف، وأن في عقلك شيئاً، وقد قيل لمحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام: مجنون وساحر وشاعر وكاهن، وما تركوا منغصاً من منغصات الحياة إلا وعلقوها عليه، ولكنه كما قيل:
لعظمك في النفوس تبيت ترعى بحراس وحفاظ ثقات
وشكوت من ظلم الوشاة ولم تجد ذا سؤدد إلا أصيب بحسد
لا زلت يا سبط الكرام محسداًً والتافه المسكين غير محسد
إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا