حديث في مهابة عمر وضحك الرسول صلى الله عليه وسلم

ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: عن محمد بن سعد عن أبيه، قال: استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عاليةً أصواتهن على صوته، فلما طرق عمر عرفنه فتسابقن يرتدين الحجاب وينفرن من مجلسه صلى الله عليه وسلم، خيفة من عمر.

عمر رضي الله عنه خافته الجن، وكثيرٌ من الإنس والنساء، يكفي أن كسرى وقيصر إذا ذكر عمر أغمي على أحدهم حتى يرش بالماء.

يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه

يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه

هذا عمر رضي الله عنه جعله الله حصناً منيعاً، وكأنه رجل الساعة بعد موت أبي بكر؛ لأن الأمة كادت أن تتقلقل بعد موت أبي بكر، فأتى الله بهذا الحصن المنيع.

قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها

كان يلاحظ كل شيء في الأمة، فكان سداً منيعاً، يصلي الفريضة، ويقول: [[والله إني لأجهز الجيش وأنا في الصلاة]] فيقول بعض الناس: كيف يجهز الجيش وهو في الفريضة؟ قلنا لهم كما قال ابن حجر: تعارضت فريضتان، والفريضة كانت عليه عينية، فأدخل فريضة في فريضة, حسنات كلها, أما نحن فما الذي نشتغل به؟ أحدنا عنده عمارة يعمرها ويخططها، ويقول: عمر جهز الجيش في الصلاة! عمر يجهز الجيش لحماية الدولة الإسلامية، ودك خصوم الإسلام، وجعل أنوفهم في الأرض، ولرفع لا إله إلا الله، أما أنا وأنت فنفكر في أفكار لا تفكر فيها إلا الحشرات والدود، أين الثرى من الثريا؟!

لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه

فـ عمر صنف آخر.

فالمقصود أنه دخل رضي الله عنه وأرضاه على الرسول صلى الله عليه وسلم والنسوة يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته، فسبحان من جعل الرحمة في قلبه! النساء في مجلسه صلى الله عليه وسلم, هذه ترفع صوتها تسأل سؤالاً، وهذه تتحدث، وهذه تتبسم، وهذه تأتي بقصة، والرسول صلى الله عليه وسلم هادئ ساكن الطباع، إنه الكمال، ليس الكمال فعل عمر رضي الله عنه، لا، الكمال فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].

لو كان كخلق عمر رضي الله عنه وأرضاه لما وسعت الشريعة النساء والأطفال والأعراب والناس وأهل الكتاب، ولما استفادوا جميعاً، ولكنه وسعهم صلى الله عليه وسلم خلقاً، فخلقه هو الكمال، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرخى أكنافه، وهدأ من روعه، ومن شخصيته، وإلا فإنه مهاب، يقولون: ساكن وديع، همته تمر مر السحاب: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88].

يجلس على التراب، ولكنه يسري بالأرواح إلى فوق سبع سماوات، فسمع صوت عمر رضي الله عنه؛ فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب، فدخل والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك.

وقد ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة مناسبات، منها: في أحد، عندما أتت نسيبة الأنصارية إلى كافر، واقترب منها الكافر يريد ضربها، فعاجلته فضربت رأسه فأنزلته إلى الأرض، فضحك صلى الله عليه وسلم من هذا الطويل العريض الشجاع الذي أتى بالسيف فضربته هذه المرأة فقتلته.

والضحك هنا قد يطلق على التبسم، والرسول صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو نواجذه صلى الله عليه وسلم، لكنه لا يقهقه؛ لأن فيه الرزانة والجلالة والعمق والأصالة، بل هو المربي العظيم صلى الله عليه وسلم، قال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله! وهذا من أحسن ما يمكن، ويقال هذا الدعاء عند رؤية مسلم يضحك.

لكن أن ترى إنساناً يكاد يتقطع من الضحك، فتقول: أضحك الله سنك! لا.

أتريد أن يموت! ما بقي عليه إلا لحظات ويلقى حتفه, فهذا يقال له: خفف الله عليك مصيبة الضحك، وأيقظك الله من سباتك, فلا تقل ذلك إلا لمن تبسم أو ضحك بهدوء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015