أما الضحك فهو أنواع، كما قال علماء التربية، فمنه ضحك التعجب، وقال أهل التفسير: ضربوا على ذلك مثالاً -ضحك التعجب- بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود:71] كيف ضحكت؟ بعض المفسرين يقولون: حاضت، على لغة بعض القبائل العربية، لكن الصحيح عند الجمهور أنها ضحكت تعجباً: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود:72] امرأة تنيف على الستين أو تصل إلى السبعين، ثم تأتيها البشارة بغلام لها فتضحك ضحك التعجب، إذاًً فمن الضحك: ضحك التعجب.
ومن الضحك: ضحك السخرية، والاستهتار، والاستهزاء، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ} [الزخرف:47] عجيب! يضحكون من آيات الله! يضحكون من الأسس الخالدة التي أقام الله سبع سماوات وسبع أراضين من أجل هذه المبادئ الأصيلة والأهداف الجليلة! فكان عاقبة الضحك أن دمرهم الله تدميراً هائلاً، وأذاقهم لعنة في الدنيا والآخرة: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ} [الزخرف:47].
ومنها ضحك الاعتزاز بالنفس، بعض الناس إذا هُدد وتُوعد ضحك معتزاً بنفسه.
أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
وماذا يبتغي الشعراء مني وقد جاوزت حد الأربعين
فإذا تُوعِّد الشجاع ضحك، يقول المتنبي وقد توعده خصومه بالقتل:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم
يقول: إذا ابتسمت فأنا متوعدٌ لهم، وأنا متهددٌ لهم، وهذا موجود في أفعال الرجال، أنهم ربما ضحكوا استهتاراً بهذا الخصم، يقول جرير للفرزدق:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع
ومنها: تبسم الإقرار وضحك الإقرار أن ترى شيئاً وأنت مطاع، وكلمتك مسموعة؛ فتضحك كأنك تقر هذا الشيء، يلعب طفلك في البيت فتضحك مقراً لفعله، أو يتكلم بكلمة فتتبسم له، ودليل ذلك أنه صح عن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، وهو أرطبون العرب، صاحب القوة الهائلة، والذكاء الخارق، الداهية الدهياء، الذي لعب على عقول الكفرة، خرج في سرية من الصحابة؛ فأجنب وكان الجو بارداً، والنسيم معتلاً، فأراد الماء، فوجده مثلجاً؛ فتيمم، وأفتى نفسه، وصلى بهم هكذا، وذهبت الشكاية إلى المعلم الأعظم، وإلى المعلم الأكرم، تشتكي هذا الرجل، لأنه ليس مشرعاً، فلا بد أن تعرض الشريعة على الذي أتى بها، وتعرض المخطوطة على من يحققها، وليس لها إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فلما عرضت عليه صلى الله عليه وسلم، تبسم ضاحكاً، وقال: {يا عمرو! أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال يا رسول الله! إن الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] فضحك صلى الله عليه وسلم} وهذا ضحك الإقرار.
ومن التبسم: تبسم الغضب، فقد يتبسم المغضب، فإذا رأى شيئاً تبسم من غضبه ونفس عن خاطره بالتبسم، ودليل ذلك: ما في الصحيحين من حديث كعب بن مالك، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم من تبوك، وقد تخلفت مع الثلاثة، فلما رآني تبسم تبسم المغضب عليه الصلاة والسلام.
وله أنواع أخرى، وسوف نأتي إلى الممدوح من الضحك والمذموم.