Q ينقلنا هذا إلى موضوع قريب منه، فأنت قد ذكرت أن هناك من الناس من يجيد الوعظ ويؤثر، ولو أتيت به مفتياً أو أتيت به باحثاً لما استطاع أن يقدم شيئاً, وقد أشرتم في بعض الأشرطة إلى فن تصنيف الدعاة، وتصنيف الدعاة يبدو لي أنه من هذا القبيل، فهذا واعظ وهذا باحث وهذا داعية وهذا عالم فهل يمكن أن تشرح لنا هذه القضية؟ ثم هل هناك دليل أو عمل سابق يدل على ذلك من أعمال السلف؟
صلى الله عليه وسلم أصل التخصص والتصنيف وارد من عصر الصحابة رضي الله عنهم، ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يصنف الناس حسب مواهبهم، فـ أبو بكر رضي الله عنه جعله صلى الله عليه وسلم الخليفة من بعده، ومعاذ بن جبل أخبره بتخصصه وفنه وموهبته، وقال: {أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل} وزيد بن ثابت أفرض الأمة جعله صلى الله عليه وسلم في قسمة الفرائض، وخالد بن الوليد تخصصه الجهاد، وقطع الأعناق في سبيل الله، قال: {خالد سيف سله الله على المشركين} وحسان يقرب النبي صلى الله عليه وسلم له المنبر ويقول: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} وبين أن كعباً سيد القراء، وقال صلى الله عليه وسلم له: {إن الله أمرني أن أقرأ القرآن عليك} إلى غير تلك من المواهب وهذا أصل أصيل ودليل قاطع على أن أصل التخصص والتصنيف وارد، وأنه لا بد للأمة من هذا.
والذي يتجاهل بعض التخصصات في عصرنا ليس بمصيب بل هو مخطئ، وهؤلاء الناس الذين أعطاهم الله عز وجل من المواهب ومن العطاء لا بد أن يعبدوا الله بمواهبهم، وينصروا الإسلام بها، فالمفتي في فتواه كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين , فهؤلاء الطائفة المباركة نشروا الإسلام بالفتيا والتعليم وكذلك عالم الخطابة, فكثير من الخطباء الفضلاء جندوا أنفسهم للتأثير في هذا المجال كالشيخ عبد الوهاب الطريري وأمثاله من الخطباء المؤثرين في الساحة، وهم كثير في العالم الإسلامي، وأهل الأدب كفضيلة الدكتور عبد الرحمن -هو من الواجهة في هذا- وهم من أهل القصائد النيرة، وهم على منهج حسان في نصرة الإسلام، وهم الذين غطوا هذا الفراغ وأهل الإعجاز العلمي كالشيخ عبد المجيد الزنداني والدكتور زغلول النجار وأهل الفكر النير كالشيخ محمد قطب وأمثاله ممن بحث ذلك وأهل الطرح العلمي الأصيل ككثير من الدعاة كالشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان بن فهد العودة والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وكثير من العلماء وأهل الحديث وأهل الجرح والتعديل كسماحة الشيخ الألباني، وكثير من المشايخ المتواجدين في العالم الإسلامي.
فيجب ألا يطغى جانب على جانب، وألا يحتقر أحد منا جهد أخيه المسلم، بل يسدده ويشد على كتفيه، ويسأل الله له التوفيق، لأنه ملك موهبة وذاك لم يملكها, قال تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148].