ومن فرَّط في حياته ندم عند الوفاة، ولذلك يقول عبد الحق الإشبيلي في كتاب العاقبة: " نُقِل عن المعتصم أنه لما حضرته الوفاة بكى كثيراً -وهو في سكرات الموت- وقال: والله! ما ظننتُ أن عمري قصير، ولو كنت أظن أن عمري قصير ما فعلت ما فعلت من المعاصي ".
عجباً! أما كان يعلم أنه سوف يلقى الله؟ أما كان يعلم أنه سوف يُصرع في هذا المصرع؟ يقول: والله لو كنت أعلم أن عمري قصير ما فعلت ما فعلت من المعاصي.
ولذلك نَدِمَ.
وجاء في سيرة عبد الملك بن مروان كما في سير أعلام النبلاء: أنه قال عند وفاته وهو في سكرات الموت، وكان يسمع غسَّالاً ينشد: [[يا ليتني كن غسالاً، يا ليتني ما ملكت أمر الأمة، يا ليتني ما توليت الخلافة]] فأُخبر سعيد بن المسيب رحمه الله أو غيره فقال: [[الحمد لله الذي جعلهم يفرون عند الموت إلينا، ولا نفر عند الموت إليهم]].
إنه موقف الصدق للصادقين، وموقف الصلاح للصالحين، وموقف الندم للمتندمين والمفرطين، فساعة الموت يُذَل فيها الجبار، ويُذعِن فيها الكافر، ويُسلِّم فيها العنيد، ويفتقر فيها الغني، فلذلك عرفوا أنهم فرطوا لما حضرتهم الوفاة.
وهذا الوليد بن عبد الملك لما حضرته الوفاة بكى طويلاً وقال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29] فلا بقاء إلا لمن أحسن حياته بطاعة الله عز وجل، وتزوَّد بالصالحات وأنهى عمره بالخوف من الله ومراقبته.
فهذه منزلة الخوف.
وإنما بدأت بها لحاجتنا إلى هذه المنزلة، ولأننا بأشد الحاجة للعودة بالخوف إلى الله عز وجل، وإلا فالرجاء مبذول ومطلوب وموجود، وليس الناس بحاجة أن يبين لهم الرجاء إلا في بعض الحالات؛ لأنهم ما قصروا في الرجاء وما فاتتهم منزلة الرجاء، بل أسرفوا فيها، لكنهم بحاجة إلى خوف.