يقول ابن كثير وغيره: كان لـ عبد الله بن الزبير مزرعة في المدينة، ابن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام، وبجانب المزرعة مزرعة لـ معاوية، وهو خليفة في الشام في دمشق، فأتى عمال معاوية فدخلوا في مزرعة ابن الزبير فغضب ابن الزبير - وبينه وبين معاوية شيء مِن قبل! لكن أتت هذه وفتحت باله - فلما دخل عمال معاوية في مزرعة ابن الزبير كتب ابن الزبير رسالة حارة ساخنة لـ معاوية، يقول فيها: يا بن آكلة الأكباد، إما أن تمنع عمالك من دخول مزرعتي وإلا سوف يكون لي ولك شأن - ابن الزبير واحد من الرعية رَدَّ على الراعي، والراعي سلطان وخليفة، فأخذ معاوية الرسالة - وكان من أحلم الناس - فقرأها، وقال لابنه يزيد: يا يزيد! ما رأيك في هذه الرسالة؟ - ماذا ترى أن الجواب؟ - قال: أرى أن ترسل جيشاً أوله في المدينة وآخره عندك يأتون برأسه - وكان معاوية يستطيع أن يفعل ذلك، ولكنه فعل خيراً من ذلك زكاة وأقرب رحماً - فكتب رسالة يقول فيها: يا ابن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام، ويـ ابن ذات النطاقين، السلام عليك، أمَّا بَعْد: فلو كانت الدنيا بيني وبينك لهانت، إذا أتتك رسالتي هذه، فخذ عمالي إلى عمالك، ومزرعتي إلى مزرعتك.
فأتت الرسالة إلى ابن الزبير فبكى حتى بل الرسالة بالدموع، وذهب وقبَّل رأس معاوية فقال: لا أعدمك الله رأياً أحلك في قريش هذا المحل.
حياة السلف كانت على القرآن ولكننا نتنازل في كل شيء إلا مع أقاربنا وأرحامنا وأصهارنا وجماعتنا.
أسد عليَّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر
ومن معاني الحياة التي أتى بها عليه الصلاة والسلام: أن حياة العبد محسوبة عليه، وعند الترمذي بسند صحيح: {لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: وذَكَرَ: وعن عمره فيم أبلاه}.
الدقائق والثواني أين صرفتَها؟ أين ذهبتَ بها؟ ماذا فعلت يوم كذا وكذا؟ قال تعالى: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] فنسأل الله لنا ولكم الثبات، وأن يجعل حياتنا في مرضاته.