فمعتقدهم في الصحابة أنهم يكفون عما شجر بينهم، ولا يشهرون قضايا الخلاف، ولا ينشرونها في المجالس، ولا يثيرون الحزازات التي وقعت ويعيدونها من جديد.
سُئل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عن أهل صفين، وهم جيش علي وجيش معاوية رضي الله عنهما، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[تلك دماءٌ صان الله منها سيوفنا فنصون منها ألسنتنا]] فعلم من ذلك كما يقول ابن تيمية في الواسطية أن معتقدنا في الصحابة أن نترضى عنهم جميعاً، ونعتقد أن بعضهم أفضل من بعض، وأن نكف عما شجر بينهم، ونظن فيهم كل الخير، فهم أعمق الأمة إيماناً، وأبرها قلوباً، وأصدقها لهجة، وأخلصها لله، وأزهدها في الدنيا، وأورعها عن محارم الله وأعلمها بالله، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
سئل عامر الشعبي رضي الله عنه وأرضاه عن أهل صفين، كيف يلتقون وهم مسلمون؟ وكيف ما فر بعضهم من بعض؟
قال: أهل الجنة التقوا فاستحى بعضهم أن يفر من بعض، ونزل علي رضي الله عنه يوم الجمل، وقد قتل طلحة وهو من الفريق المقابل فنزل وترجل من على فرسه وهو يبكي ويقول: يعز عليَّ يا أبا محمد -يقصد طلحة بن عبيد الله - يعز عليَّ يا أبا محمد أن أراك مجندلاً على التراب، وأخذ يزيل التراب من على لحية طلحة بن عبيد الله ذي الجود، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ويقول: أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن قال فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47].
فمعنا الليلة المتهم وهو بريء، ومعنا المتنقص وهو كامل، ومعنا المسبوب وهو ممدوح، معاوية رضي الله عنه وأرضاه.