خوف ابن المبارك من الله وإنفاقه في سبيل الله

قال أحد تلاميذه: سافرنا معه إلى الحج، فجلسنا في ليلة ظلماء فانطفأ السراج، فذهبنا نلتمس سراجاً، فعدنا إليه، وإذا بدموعه تنهمر على لحيته، فقلنا: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لما تركتموني في هذه الغرفة تذكرت القبر والله.

وقال الإمام أحمد: إن ابن المبارك رفعه الله بخبيئة من الخشية في قلبه.

وكان مع ذلك قد رزقه الله بسطة في المال والمال لا يحاربه الإسلام كما يظن كثير من العباد أو الزهاد أو المتصوفة، بل إن الإسلام يستثمر المال ويوجهه في طرق الخير، وكان كثير من الصحابة يشتغلون بالتجارة وبالغنى، لكنهم ينفقون أموالهم في سبيل الله.

بلغ من عطائه أنه كان يدعو القافلة ليحجوا، وينفق عليهم مما آتاه الله، حتى إنه في يوم من الأيام مر بقرية من قرى العراق وهو حاج؛ فوجد امرأة خرجت من بيتها فوجدت دجاجة ميتة في زبالة، فأخذتها فقال لغلامه: اذهب وراءها واسألها، فلما ذهب وسألها قالت: ما لنا طعام منذ ثلاثة أيام إلا ما يلقى من الأموات في هذه المزبلة.

فلما عاد وأخبره دمعت عيناه، وقال: نحن نأكل الفالوذج والناس يأكلون الميتة من المزابل! والله لا أحج هذه السنة، واذهبوا بقافلتي هذه إلى أهل هذه القرية، فرد القافلة بأحلاسها وأقتابها وجمالها وبما عليها من متاع وطعام، ووزعها على أهل القرية، وعاد إلى خراسان ولما نام أول ليلة هناك رأى في منامه قائلاً يقول: حج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور.

وله قدم ثابتة في الجهاد عرفتموها في بعض المناسبات، أو من قراءتكم واطلاعكم وله كذلك وفاة حميدة وخاتمة حسنة، يقول غلامه: لما حضرته الوفاة رأيته يتبسم وهو في سكرات الموت، قلت: ما لك؟ قال: لمثل هذا فليعمل العاملون.

هذا هو عبد الله بن المبارك الذي يروي عنه البخاري ويقول: حدثنا عبدان -تلميذ عبد الله بن المبارك - قال: حدثنا عبد الله بن المبارك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015