إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الجمع المبارك الكريم: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته سلام الله عليكم يوم اجتمعتم على ذكر الله وسلام الله عليكم يوم تعلقت قلوبكم لمرضاة الله وسلام الله عليكم يوم أتيتم لتسمعون دعاة الله، وتراجم أئمة هذا الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
معنا اليوم إمام عملاق، وجهبذ قدير، وعظيم في هذا الدين معنا مجدد من المجددين، وزاهد من الزاهدين، وعابد من العابدين، وعالم من العاملين بعلمهم معنا ابن تيمية، وينبغي أن تعرفوا ابن تيمية معرفة واسعة مكثفة.
اسمه: أحمد بن عبد السلام بن عبد الحليم بن تيمية الحراني.
ولد سنة (666هـ) وتوفي سنة (728هـ).
وقبل أن نبدأ في ترجمة الرجل أبين لكم ثلاثة أمور لا بد أن تعرفوها:
الأمر الأول: العلماء هم الدعاة والدعاة هم العلماء؛ فلا علم إلا بدعوة ولا دعوة إلا بعلم، يقول الله تبارك وتعالى مندداً ببني إسرائيل حينما توقف علماؤهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187].
الأمر الثاني: زكاة العلم نشره؛ فعلم لا ينشر بين الناس ولا ينفق منه كنزٌ مشئوم على صاحبه يقول أبو إسحاق الألبيري، يوصي ابنه بطلب العلم، ويمدح العلم، ثم يوصيه بنشره فيقول:
هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضاربَ من أردنا
وكنزٌ لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شدتا
الأمر الثالث: تهاون العلماء بالدعوة هزيمة للأمة؛ فما تأخرت أمة الإسلام ولا انهزمت ولا انحصرت إلا بسبب تهاون بعض العلماء عن إبلاغ دعوة الله، وعدم جلوس العلماء مع الأمة وتفهيمها، والله تبارك وتعالى يقول: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:175 - 176].
معنى الآية: مثل هذا العالم الذي ما نفع نفسه وما نفع الأمة كمثل الكلب، والكلب يلهث ويمد لسانه دائماً وأبداً، سواء أكان في الظل أم في الشمس سيَّان، فهذا السيء المشئوم سواء تعلم أو لم يتعلم فحاله حاله لم يتغير.