إن هذه الدنيا تزول ولا يعرف زوالها إلا بالعلم، إن المعصية معصية، ولا تعرف أنها معصية إلا بالعلم، وإن الخمر خمر، ولا يعرف أنه حرام إلا بالعلم، وإن الجهل جهل، ولا يعرف أنه جهل إلا بالعلم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49].
آيات راسخات، ومعان جليلة، وأهداف نبيلة، ومبادئ أصيلة في هذا الدين ولكن في صدور من؟ أفي صدور أهل المجون، وأهل الوسوسة، وشيوخ القمار، والمخططون على النجوم، وأهل السقع والرقع؟ كلا، إنما هي في صدور طلبة العلم.
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] من الذي يفهم الآيات، من الذي يفهم المنشورات، ومن الذي يفهم المبادئ، ويفهم العقليات، ومن الذي يرجح المصالح على المفاسد إلا طلبة العلم.
وقد صح عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر} فليس ميراثه عليه الصلاة والسلام مناصب ولا وظائف، ولا ثياباً ولا دوراً، ولا عقاراًَ ولا قصوراً، لا والله! فقد كان بيته من طين، وفراشه من حصير، وقعبه من خشب، وشملتة مقطعة، ولكنه بنى آلاف القلوب والأرواح.
كفاك عن كل قصر شاهقٍ عمد بيت من الطين أو كهف من العلم
تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم
فميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العلم.
تعال يا من حاله في وبال ونفسه محبوسة في عقال
يا نائماً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال
روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال
ميراثه فينا جميل الحلا وأنتم أصحابه يا رجال
من يرث محمداً عليه الصلاة والسلام إلا أنتم، من يحفظ كلماته الناصعة إلا أنتم، من يحفظ تركته وميراثه إلا أنتم، ومن يؤدي رسالته إلى العالم إلا أنتم.
ففضل العلم أجل من أن يحاط به، يقول ابن كثير في تفسيره ناقلاً عن الطبراني حديثاً يجوده: {إن الله عز وجل إذا حاسب الناس جعل العلماء في ناحية من الموقف، ثم يلتفت إليهم فيقول: إني ما منحتكم العلم إلا لكرامتكم علي، أنتم تشفعون في الناس}.
وفي بعض الآثار التي لا تصح مرفوعة: {توزن دماء الشهداء بمداد العلماء} فالعلم أفضل ما أجمع عليه العقلاء قاطبة، اليهود والنصارى والمجوس والصابئة، والمسلمون والهندوس، فالجميع أجمعوا على أن العلم أفضل مطلوب؛ لكنهم اختلفوا في ماهية العلم وأهمه!