الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على معلم البشرية، وهادي الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، صلى الله عليه وسلم، فأظهر الله علمه على كل علم، وأظهر رسالته على كل رسالة، ونصر مبدأه على كل مبدأ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بَعْد: إخوتي الفضلاء الأجلة طلبة العلم.
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وإنها لفرصة سانحة أن يجلس الأخ مع إخوانه، والزميل مع زملائه، فأنتم شارة المجتمع، وأنتم واجهة الناس، وأنتم الخاصة إذا اتقيتم الله في علمكم، والمحاضرة ستكون عن حلية طالب العلم: ما هو لباسه؟ وما هو معتقده؟
وما هي وظيفته؟
وما هو دوره في الحياة؟
وما هو برنامجه اليومي؟
وما هو تحصيله؟
وكيف يحفظ؟
وكيف يفهم؟
وكيف يحقق المسألة، وكيف يدعو الناس، وكيف يعاملهم؟
وكيف يسير مع الناس؟
كل هذه المسائل وغيرها تكون مطرح البحث إن شاء الله.
وإني أحبكم في الله تبارك وتعالى، وإنه لا يجمعنا بكم سبب من الدنيا، ولا نسب بين الناس، ولكن سبب الدين ونسب العلم.
إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد
أو يفترق ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد
أو يختلف نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد
قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] لمن الخطاب؟
إنه للمصطفى صلى الله عليه وسلم، لصاحب الرسالة الغراء، والأمي الذي ما قرأ ولا كتب، ولا تعلم في مدرسة ولا دخل جامعة، ولا جلس في كتاتيب، وليس له أستاذ ولا شيخ، ما انتسب ولا انتظم في جامعة من جامعات الدنيا، لكن هكذا بلغ الأربعين سنة، فقال له الله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48].
أي: أنت لم تكتب ولم تقرأ، ولم تحفظ شيئاً، بل جئت من الصحراء من بين جبال مكة السود؛ لتبعث الإنسان، وترفع رأسه.
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] أين يقرأ؟
أين الصحف والمجلدات؟
أين الجرائد والمجلات؟
أين المصنفات؟
أين السبورة؟
أين الأستاذ والمعلم والدفتر؟
لا شيء.
قال أهل العلم: كأنه يقول: اقرأ في كتاب الفضاء، اقرأ في سور ما قرأتها في كتاب، اقرأ في الشمس من خلقها؟
أليست آية؟
اقرأ في القمر؟ أليس فيه آية؟
اقرأ في النجوم اللامعة كيف تبدد الظلام! أليست آية، اقرأ في خرير الماء يوم يتسلل بين الحصى، اقرأ في هفيف النسيم بين الشجر أليست آية؟
اقرأ في السفح والغدير، والماء المرير، والجدول والرابية، اقرأ مع الطير، إنها آيات الله في الكون.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
فخرج عليه الصلاة والسلام من غار حراء داعياً إلى الله ما عرف معلماً إلا جبريل، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:1 - 9].
الله أكبر! ياللدنيا يوم سمعت الله أكبر، يا للبشرية يوم أنصتت إلى كلمة (الله أكبر).
إنها والله أمور ومعجزات تحطم القلوب التي لا تعي، وتدوس الرءوس التي لا تؤمن بالله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1].
وانطلق عليه الصلاة والسلام فتكلم فكان أفصح فصيح، وأفتى فكان أكبر مفتٍ، وقاد الجيش فكان أعظم قائد، وساس الأمة فكان أعظم سائس، وربى الأجيال فكان أعظم مربٍ، يقول شاعر وادي النيل للمستشرقين يوم طلبوا معجزة له صلى الله عليه وسلم:
أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه
أما يكفي الناس معجزة له صلى الله عليه وسلم أنه أحيا القلوب بالعلم، نزل عليه الصلاة والسلام إلى بطحاء مكة فحفظَّه الله القرآن وعلَّمه السنن، ثم قال الله له في أول الطريق: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فقبل أن تتكلم أو تُعلِّم تَعلَّم، وقبل أن تدعو تَعلَّم، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19].
وهذه رسالتكم يا طلبة العلم، ويا حملة خلاصة الرسالات، والواجهة الوضيئة في المجتمع، يا بسمة في جبين التاريخ؛ هذه رسالتكم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19].
وأنا سوف أتعرض في هذه الجلسة لنقاط مهمة، تمر معنا في الفصل، وفي البيت، وفي الطريق، مع الناس كافة، ومع النفس والأهل خاصة:
أولها: نبذة عن فضل العلم.
ثانيها: الإخلاص في طلبه.
ثالثها: التقوى.
رابعها: العمل بالعلم.
خامسها: التوبة والاستغفار.
سادسها: الحفظ وكيف يكون
سابعها: الفهم.
ثامنها: كيف يبدأ طالب العلم.
تاسعها: كيف يُكوّن مكتبته.
عاشرها: لباس طالب العلم.
حادي عشرها: معتقد طالب العلم.
ثاني عشرها: السنن على طالب العلم.
ثالث عشرها: نوافل طالب العلم.
رابع عشرها: الإنفاق من العلم، والزكاة من العلم.
خامس عشرها: التسرع في الفتيا؛ داؤها وعلاجها.
سادس عشرها: التصدر قبل حينه.
سابع عشرها: خلق طالب العلم: التواضع، الشجاعة، علو الهمة.
ثامن عشرها: علم الواقع والثقافة المعاصرة.
هذه سوف تكون على بساط البحث ونحن نقبل أي حوار في آخر هذه الجلسة، من عقلياتكم المشرقة، ومن فهمكم السديد لنتعاون على الخير والبر والتقوى.