النابلسي محدِّث وعالم من علماء الإسلام، كان راوياً يحفظ الأسانيد والأحاديث، وكان الحكام في عهده هم الفاطميون، جدُّهم هو اليهودي ابن قداح، يقول ابن تيمية: " لا ينتسبون لأهل الإسلام "، وكثير من المؤرخين اليوم يقول: " ينتسبون لـ علي بن أبي طالب " كلا، وحاشا، والله إنهم يهود، أشرار، أنذال، زنادقة، خرجوا على الإسلام بسيف الطاغوت، وذبحوا الإسلام ذبحاً.
كان الحاكم بأمر الله الفاطمي يخرج يوم الجمعة قبل الصلاة إلى السوق، فإذا رآه الناس سجدوا له، والذي لا يسجد يقتله، أخذ المصحف وداسه وبال عليه، والمصيبة أنه ذبح المسلمين حتى أسكتهم، وأتى الفقر في عهده حتى أكل الناسُ الحميرَ، قال ابن كثير في: البداية: " اجتمع سبعة على حمارة فذبحوها، وأكلوها في عهده "، قال: " ومات كثير من المشايخ وتلاميذهم في المسجد وانتهوا "، وأتى الحاكم بأمر الله بحماره فوقف عند قصره، ليأخذ غرضاً ويعود، فلما خرح وإذا الحمار مذبوح، وقد تُقُسِّمَ لحمُه، مهلكة، أهلك الله الأمة في عهده بذنوبه وخطاياه.
قام النابلسي في مجلس الحديث، فسأله أحد الطلاب -وبعض الطلاب مبارك في الأسئلة- قال: " ما رأيك في الفاطميين، هل يصح جهادهم؟ " قال هذا العالِم -أوقفه الله الآن على الصراط إما أن يقول: نعم، أو لا-: " أرى أن من عنده عشرة أسهم، أن يرمي الروم بسهم واحد، ويرمي الفاطميين بتسعة أسهم ".
وارتفعت الكلمة، ولم تأتِ صلاة الظهر إلا والكلمة قد وصلت -بحفظ الله ورعايته- إلى الحاكم، وأتى الحاكم فأزبدَ وأرعدَ، وقام فأخذ السيف وغمسه في الدم، وقال: " عليَّ بـ النابلسي "، فأتوا بـ النابلسي، فأجلسوه، قال له الحاكم ولم يفهم الكلمة بعد.
أقول له زيد فيكتب خالداً ويقرؤه عمراً ويفهمه بكراً
قال الجدارُ للوتدِ لِمَ تَشُقني قال اسألْ مَن يَدُقني
فيقول الحاكم: " ما لك يا نابلسي! تقول فينا كلاماً؟ قال: ماذا قلتُ فيكم؟ قال: تقول فينا: إذا كان عند الرجل عشرة أسهم، يرمينا بسهم، ويرمي الروم بتسعة أسهم؟ قال: لا.
خطأ، العبارة ليست هكذا، قال: وما هي العبارة؟ قال: العبارة التي قلتُ: من كان عنده عشرة أسهم يرميكم بتسعة، ويرمي الروم بسهم.
قال: أما تدري أني أريد أن أذبحك اليوم؟ قال: اذبح أو لا تذبح، والله ما نفسي تساوي عندي هذه، ثم أخذ زراره فقطعه، ثم رماه في وجه الحاكم، فقام وقال: لا أذبَحُكَ، لا يذبَحُكَ إلا يهودي، قال: افعل ما بدا لك " -وهذه أشنع قتلة في التاريخ- فأخرجوه في الشمس، ثم علقوه من رجليه بحبل، ونكَّسوه على رأسه، وبعض الرواة يقولون: " أتت سحابة وهو معلق فغطته من الشمس " والقدرة صالحة، وكرامات الأولياء واردة، وأخذ اليهودي يسلخ جبهته بالسكين كما يسلخ الشاة، أتدرون ماذا كان يقول النابلسي؟ كان يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ".
ويقال: " إن الله عزَّ وجلَّ ربما رفع عنه ألم السلخ "؛ لأن الله يقول: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] وبعضهم يقولون: " أول ما قطرت منه قطرات من دمه -وذكرها الذهبي، ولم يعلق عليها، وأنا لا أعلق عليها- كَتَبَت في الأرض: الله، الله، الله " فلما وصل اليهودي إلى قلبه بعد أن سلخ كل الجلد، رحم اليهودي النابلسي، فأخذ سكيناً فغمسها في قلبه فمات، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30].
عُلُوٌّ في الحياة وفي المماتِ بِحَقٍّ أنت إحدى المعجزاتِ
كانوا يقولون الحق، لكن في مواطنه، يوم تنفع كلمة الحق، يوم يكون من الحكمة أن يقولها، يقولها إذا كان من المصلحة للإسلام أن يقولها، لكن في قالب من النصيحة يؤدونها، لا تشهيراً، ولا تجريحاً، ولا تضليلاً، ولا تبجحاً، ولا رياءً، ولا سمعة، كانوا ينصحون الخاصة للخاصة، والعامة للعامة.