أما عطاء بن أبي رباح فكان عبداًَ -وكلنا عبيدٌ لله، والإسلام لا يعترف بالدماء، ولا بالأنساب، ولا بالقبائل، ولا بالأسر؛ ولكن ميزانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]- لامرأة من مكة، فأصيب بمرض الشلل، وأصيب بمرض في جسمه، فتركته، فمكث في الحرم ثلاثين سنة يطلب العلم، حتى بَرَّز في العلوم، يقول: [[ما رفعت فراشي من الحرم مدة ثلاثين سنة]] ليلاً ونهاراً وهو يطلب العلم؛ حتى أصبح عالم المسلمين.
أما ابن عباس: وكان الأَولى أن يُقدَّم في هذا الباب، ولكننا نقدمه مهما تأخر لفظاً فإنه متقدم رتبة.
ابن عباس رضي الله عنهما قال -واسمَع لهذه العبارة وقد صحَّت عنه--: [[ذَلَلْتُ طالِباً فَعَزَزْتُ مطلوباً]] ويقولون:
العلمُ حربٌ للفتى المتَعالي كالسيل حربٌ للمكان العالي
فمن تكبر لا ينال العلم.
وعند البخاري موقوفاً على مجاهد: [[لا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر]].
فلا إله إلا الله! ما أحسن طلاب العلم إذا تواضعوا في طلبه! قالوا لـ ابن عباس: كيف حصلت العلم؟ قال: [[كنت أخرج في الظهيرة في شدة الحر، فأذهب إلى بيوت الأنصار، فأجد الأنصاري نائماً، فلا أطرق عليه بيته، فأتوسد بُرْدي عند باب بيته، فتلفحني الريح بالتراب، فيستيقظ الأنصاري، ويقول: يا بن عم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ألا أيقظتني أُدْخِلك؟ فأقول: أخاف أن أزعجك]] فأصبح عالم الأمة رضي الله عنه وأرضاه، ولنا عودة لهذا العنصر.