استطراد في ذكر الموت

وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] سبب نزول هذه الآية أن الأشج بن كلدة قال: "يزعم محمد أنه لا بد أن أموت لأبنين لي قصراً مشيد, فلا يدخل عليّ عزرائيل -كانوا يسمون ملك الموت عزرائيل, ولكن عزرائيل ليس باسم له عند أهل السنة , اسمه ملك الموت في سورة السجدة فقال: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة:11]- قال: يزعم محمد أن ملك الموت يدخل عليّ لأحتجبن في قصر فلا يدخل عليّ, قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] لا بد أن يأخذكم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة.

هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

جلس سليمان عليه السلام في قصره, فنزل ملك الموت بجانب سليمان, فقال سليمان لملك الموت: ماذا أتى بك اليوم؟ قال: أمرني الله عز وجل أن أقبض رجلاً من رعيتك بأرض الهند وهو معك هنا في فلسطين , الله عز وجل أمر ملك الموت أن يقبض ذاك الرجل في الهند والرجل في فلسطين في أرض كنعان , فملك الموت مهموم من هذه المهمة:

مضيناها خطىً كتبت علينا ومن كتبت عليه خطىً مشاها

قال: وبينما ملك الموت جالس, وسليمان بجانبه إذ دخل هذا الرجل على ملك الموت, وهو لا يعرف ملك الموت, قال الرجل لسليمان: يا سليمان يا نبي الله أسألك بالله الذي سخر لك الريح أن تأمرها تنقلني إلى بلاد الهند , فإن لي غرضاً في بلاد الهند , فتبسم سليمان وقال: يا ريح! خذيه إلى بلاد الهند {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] فأخذته فلحقه ملك الموت فتوفاه هناك, ذكرها ابن كثير وغيره من العلماء والمفسرين.

هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

كل ابن أثنى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول

هذا سفيان الثوري لما بلغ ستين سنة, أخذ كفناً وصنع له نعشاً وعلق النعش, فكان كلما حدثوه في الدنيا ومال الدنيا قال: هذا! يقول: انظروا لهذا! وقال سفيان رحمه الله: "حق لمن بلغه الله ستين سنة أن يشتري له كفناً".

وكان أحمد إذا مر بالمقابر انقطع, وجلس مبهوتاً.

وكان عثمان رضي الله عنه وأرضاه إذا رأى المقبرة بكى حتى يغمى عليه؛ لأنه تذكر الموت!

نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلّ الردى مما نرجيه أقرب

ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب

أما القصور والفلل فقد زيناها لكن ليت شعري ماذا فعلت قبورنا؛ اعتنينا عناية هائلة ببيوتنا وأثاثنا وثيابنا ومظاهرنا وسياراتنا لكن ليست هذه هي الحياة, إن الحياة الآخرة هي حياة الآلاف والآباد فماذا فعلنا لها؟! وهل أعددنا الزاد؟! نسأل الله التوفيق لنا ولكم.

قلت لكم مما يورث الإخاء والحب والألفة تذكر الموت والانتظار, فإن من تذكر الموت هان عليه كل شيء.

هذا إبراهيم بن أدهم أحد الصالحين رحمه الله من العباد الكبار, كان ابناً لملك من ملوك خراسان , فلما سمع قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] قالوا: خلع ثياب الحرير والديباج ولبس الصوف, وخرج إلى جبال لبنان يعبد الله عز وجل.

دخل مرة المدينة فلقيه رجل من الناس, يسأل إبراهيم بن أدهم: أين العمار؟ ودلني على المدينة؟ قال: "العمار هنا والخراب هنا" دله على المقبرة يقول: العمار في المقبرة والخراب في هذه المدينة.

يقولون: إنه رحمه الله دخل السوق فوجد ورقة مكتوباً عليها اسم الله, والناس يطئون الورقة ما علموا, فبكى وأخذ الورقة وقبلها وغسلها وطيبها بدينار, لأن فيها اسم الله, فسمع هاتفاً يقول: يا من رفع اسم الله ليرفعن الله اسمك, فرفع الله اسمه.

مر من طريق فلقيه رجل فظن أنه متهم بقضية فضربه بسوط, فقال الناس للرجل: أتضرب هذا وهو إبراهيم بن أدهم؟! قال إبراهيم: "دعوه, ما زلت رجل سوء منذ خرجت من أصبهان ".

ويقول عنه ابن كثير: "خرج إلى بغداد , فلما دخل المدينة خرجت امرأة برمادة تريد أن تلقيها في المزبلة فيها جمر, فوقع الرماد على رأسه, فقال الناس للمرأة: اتق الله هذا إبراهيم بن أدهم قال: دعوها, فإن الله تعالى توعدني بالنار فإذا صالحني الناس على الرمادة فالصلح خير " يقول: إذا ما كان إلا رماداً فأمره سهل".

هذه في قصته وسيرته، نعوذ بالله وإياكم من النار؛ فإن أجسادنا على النار لا تقوى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015