وفي صحيح البخاري أن علياً رضي الله عنه أراد أن يتزوج على فاطمة وله ذلك، وعلي رجل فيه الرجولة، والقدرة، فأراد أن يتزوج بنت أبي جهل وأبو جهل مات إلى جهنم، إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.
فخطب من عكرمة أخته جميلة بنت أبي جهل، أخت عكرمة بن أبي جهل، فذهبت الشائعة إلى فاطمة، فأتاها الخبر في البيت، ومعاناة المرأة، لا تزال المرأة امرأة، بغض النظر عن دينها، أو عن عفافها، أو عن خلقها، فذهبت فاطمة إلى أبيها المعصوم، سيد البشر، أكبر زعماء الدنيا، محرر الإنسان، وجلست أمامه تبكي، قال: {مالك؟ قالت: يزعم الناس أنك ما تدافع عن بناتك، ولا تغضب لبناتك -تستثيره عليه الصلاة والسلام، تريد أن يغضب وتحركه بكلمات، فما وجدت أكبر من هذا، تبكي- وتقول: يزعم الناس أنك لا تغضب لبناتك -فقام صلى الله عليه وسلم مغضباً وجمع الناس، وصعد المنبر}.
وهو لا يعارض الشريعة عليه الصلاة والسلام، فهو الذي أتى بالشريعة، وأحل الحلال، وحرم الحرام، وبنى منهجاً ربانياً.
{ووقف على المنبر، واجتمع الناس، وعلي بن أبي طالب، في الجماهير.
قال: أيها الناس: إني لا أُحلُ حراماً ولا أحرم حلالاً، ولكن لقد بلغني أن علي بن أبي طالب، يريدُ أن يتزوج بنت أبي جهل، بنت عدو الله} -ثارت ثائرته صلى الله عليه وسلم.
ويقول شوقي:
وإذا رحمتَ فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء
وإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق لا كبر ولا ضغناء
وإذا سعيت إلى العدا فغضنفر وإذا جريت فإنك النكباء
قال: {أيها الناس: إني لا أُحلُّ حراماً ولا أحرم حلالاً، ولكن بلغني أن علي بن أبي طالب، يريدُ أن يتزوج بنت أبي جهل، بنت عدو الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، والذي نفسي بيده لا تجتمعُ بنت عدو الله، وبنتُ حبيب الله تحت سقفٍ واحد، إن فاطمة يريبني ما يريبها، ويغضبني ما يغضبها} ثم نزل، فقام علي بن أبي طالب، فطلق بنت أبي جهل في المسجد علي بن أبي طالب الذي يقدم جمجمته في كل معركة من أجل محمد صلى الله عليه وسلم، ويقدم دمه ودموعه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يحرم الحلال ولا يرفض التعدد، وسوف يأتي لكنها بكت، وانهارت أمامه فماذا يفعل؟ هي قطعة منه، تعيش معه عليه الصلاة والسلام.
فكلٌ منا الليلة يتصور أن التي كتبت الرسالة أخته، وأنا أقرأ الرسالة تصورت أختي، وأتاني من الأسى والألم، واللوعة، فالواجب أن تقرأ الرسالة أو تسمعها في الشريط بعد هذه المحاضرة، ثم تتصور أنها ابنتك كتبت لك، وأختك، وكلُ فتاةٍ في المجتمع الإسلامي، وكلُ أختٍ وزوجة، إنما هنَّ أعراضنا ندافع بدمائنا وجماجمنا عنهنَّ، ولا بارك الله في الحياة إذا لم نقدم الرءوس لتبقى البنات والأخوات والزوجات محتشمات محجبات في البيوت، هذا ما أريد أن أقوله.
وأقف موقفاً آخر مع العلماء والدعاة والقضاة والخطباء، ومع المصلحين، وقد ركزت على هذا، وهو الصحيح الوارد، فأين دور العلماء؟ وأين دور القضاة والدعاة؟ وصدقت فلا يكفي الكلام، يقول أبو العتاهية:
العنز لا تشبعُ إلا بالعلف لا تشبع العنز بقول ذي لطف
هو كتبها للخليفة المأمون، يقول: "الناس لا يشبعون بالكلام وإنما يشبعون بالفعال.