الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
أيها الناس: من صفات أهل السنة أنهم يتثبتون من الشائعات على حد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] فإذا تبين لهم الخطأ وعرفوا من صاحبه ومن وراءه، فهو على أحد قسمين:
إما رجل استتر بخطئه فمنهج أهل السنة أن يردوا عليه في خفية ولا يشهرون به، ولا يفضحونه على رءوس الأشهاد.
أو رجل أشهر خطأه، وأعلن تمرده، وأظهر سوءه، فكان لزاماً عليهم أن يظهروا ردهم، وأن يشهروا على الناس جوابهم، وكان لزاماً على أهل السنة ألا يكتموا الردود والدفاع عن منهج الله لقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] فكان لزاماً على علماء الإسلام ودعاته أن يبينوا الحق ولا يخشون في الله لومة لائم، وأن يقولوا كلمة الحق فصيحة هادئة ناصعة.
ومن المعلوم أن علماء ودعاة الصحوة حكماء، قد ضبطوا أعصابهم يوم لم يستطع الدعي أن يضبط أعصابه، وتحكموا في عقولهم يوم لم يستطع العميل أن يتحكم في عقله، وثبتوا في أماكنهم يوم لم يستطع المتلبس بالنفاق أن يتحكم في موقعه.