عظم منزلة الصوم

في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه -وفي رواية وشهوته- من أجلي، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصيامه، ولخلوف فم الصائم -بضم الخاء المعجمة- أطيب عند الله من ريح المسك، فإذا كان أحدكم صائماً فإن سابه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وفي لفظ في الصحيحين قال: {كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي} وهو سر بين العبد وربه، وإلا فمن يراك إذا اختفيت بين الجدران وتسترت بالحيطان وغبت عن العيان إلا الله الواحد الديان! بإمكانك أن تأكل في عقر بيتك وفي قعر منزلك ولا تراك عيون الناس، ولا تنظر إليك أبصارهم، لكن الذي خلقك يراك في الظلام.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

فهو سرٌ بينك وبين الله، لا يطلع عليك فيه إلا هو، الصلاة تصليها بمشهد، والزكاة تزكيها بمشهد، والحج تحجه بمشهد، ولكن الصيام سر، قد يختفي العبد فيأكل ويشرب، ويعود متظاهراً بالصيام، لكن من الذي علم أنه صام إلا الله.

والخلوف كريح المسك عند الله، ولذلك رأى بعض الشافعية ألا يتسوك الصائم؛ لأنه يغير الخلوف، ولكن الخلوف من المعدة وليس من الفم، والسواك لا يزيدك إلا طيباً، ولكن لعظيم أجرك عند الله جعل مخلفات جوعك أطيب عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من ريح المسك، فدم الشهيد وخلوف فم الصائم سيان يفوح منهما يوم القيامة رائحة المسك، فما أحسن هذا الجزاء! وما أطيب أفواه الصائمين!

وكان عليه الصلاة والسلام في رمضان يقوم الليل كغيره من الليالي، ولكن يجتهد في رمضان؛ فإنه شهر القيام والصيام، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال: {من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} فقوله: إيماناً أخرج به من لم يصمه إيماناً، ولم يقر بصيامه، وإنما صامه هكذا عادة، واحتساباً: أخرج به من صامه رياءً وسمعة، فمن صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015