الذي أريد أن أطرحه بين أيديكم وأقرره هو أن هذه العقيدة سهلة بسيطة ميسرة لا ألغاز فيها ولا تعقيد، وسوف أضرب على ذلك أمثلة إن شاء الله.
إن إثبات هذا التوحيد لا يحتاج إلى جهد عقلي ولا إرهاق فكري، إنما هو بسيط وسهل وميسر، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرض الدين والعقيدة في دقائق معدودة، يأتيه رجل مشرك من الصحراء.
وهو جالس بين الناس، كان يعرف أن هناك رباً لكن لا يعرف من هو الذي يستحق العبودية، فأتى ووقف في مسجده صلى الله عليه وسلم وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا بن عبد المطلب -ناداه بجده- قال صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، قال الرجل: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليَّ، عنده سؤال لكن لا يدري صلى الله عليه وسلم ما هو هذا السؤال، وهذا السؤال الذي سوف يعرضه هذا الأعرابي البسيط أكبر سؤال في تاريخ الإنسان وأعظم سؤال عرفته الدنيا وسمعت به الأرض.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل ما بدا لك، وتبسم عليه الصلاة والسلام، فقال الرجل: من رفع السماء؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: الله، قال الرجل: من بسط الأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال صلى الله عليه وسلم: الله.
قال الأعرابي -والناس جلوس- للرسول صلى الله عليه وسلم: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ إنه سؤال عظيم يطرح ويسمع به الناس، وهو السؤال الذي أتى صلى الله عليه وسلم ليجيب عليه، قال: اللهم نعم.
فأخذ يسأله بهذه الكيفية وهذه الصيغة (أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة) فأخذ صلى الله عليه وسلم يجيب حتى انتهى هذا الرجل من أركان الإسلام، وفي الأخير أعلن إسلامه في المسجد في دقائق معدودة، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، وأن ما جئت به حق؛ والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص؛ هذه هي العقيدة المبسطة تعرض في دقائق معدودة.
ولذلك يعرض الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا في القرآن عقيدة التوحيد في يسر وسهولة وبساطة، لا تحتاج إلى كثرة تفكير ولا تؤدي إلى إرهاق، وإنما يفهمها المسلم بالبداهة سواء قرأ أو لم يقرأ، يعرض الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى آية التوحيد ويقول للناس {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20].
وإنما أتى بالإبل هنا لأنه حيوان يعيش في الجزيرة والعرب هم المنادون أول مرة، فقد بعث منهم محمد صلى الله عليه وسلم فردهم الله إلى هذه المخلوقات، ثم لفت الله أنظارهم إلى السماء من رفعها وسواها؟ من زينها وأبدعها وجعل فيها هذه النجوم الجميلة المتلألئة وهذه الشمس النيرة، وهذا القمر الباهر؟
إن العقل سوف يقول: إنه الله، ويؤيده النقل.
ثم يقول: {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [الغاشية:19] من نصبها ومن أرساها؟ أجاءت من نفسها بالصدفة؟! أمَّن أتى بها؟ ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:20] من سواها وجعلها مستوية قراراً يعيش عليها الإنسان والحيوان؟ إنه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالله عز وجل يلفت أنظارنا إلى التوحيد وإلى عرض صور التوحيد في القرآن {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].