التوحيد وأثر المسلمين في الساحة

فلذلك انظر إلى أثر المسلمين في الساحة، ينهزمون أمام الأعداء, وما كان للموحدين لو كان هناك موحدون أن ينهزموا أمام إسرائيل.

فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب

إذا تبدت لنا الميراج تقصفنا سعت لتسقطها الصيحات والخطب

شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا

خالد بن الوليد مع ثلاثين ألفاً أو ما يقارب ذلك, والروم مائتان وثمانون ألفاً فسحقهم؛ لأن خالداً يعرف لا إله إلا الله, ويعرف التوحيد الخالص، ويتصل بالله مباشرة, أن يكون: هذا علماني، وهذا فيه ملعقتان من الشيوعية، وهذا مسلوخ من أصله كأنه فرنسي, وهذا لا يعرف من التوحيد شيئاً, وهذا جاهل لا يعرف شيئاً, وهذا طرقي صوفي لا يعرف التوحيد الخالص، والنسبة التي تعرف التوحيد قليلة جداً.

أقولها والوثائق موجودة والأدلة والبراهين.

وهذا إبراهيم عليه السلام شيخ التوحيد, أستاذ المدرسة الخالدة في فن التوحيد, لا يعرف التوحيد مثله ومثل رسولنا عليه الصلاة والسلام, وهو أشبه الناس به حتى في الصورة الظاهرة يقول: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:78] وهو يتحدى الأصنام, تحداها بالقول والفعل, تحداها بالقول ثم أخذ الفأس فكسرها: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:78 - 80] ولا يفعل هذه الأمور إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى, والناس يقولون هذا, تقول: من خلق السموات؟ قال: الله.

وتقول: من خلق الأرض؟ قال: الله, لكن إذا مرض ابنه إذا به يذهب به إلى المشعوذ والكاهن والساحر وقال: ابني، أو يا شيخ امسح عليه مسحة، أو انظر إليه نظرة.

ذهب بعض المبتدعة إلى بعض البلاد الإسلامية فأخذوا يتبركون بالشيخ، ويمسحون بشدة, فلما كثر الزحام أخذوا من بعيد يقولون: الله أكبر ويمسحون ويسلمون! أهذا هو التوحيد؟ أهؤلاء محسوبون على المسلمين؟

إن هؤلاء لم يصلهم التوحيد, عندهم أحكام الحيض والغسل من الجنابة وصلاة الجمعة, لكن التوحيد الخالص لم يصل, وما عرفوه تماماً، وهي مسئوليتكم أنتم يا سفراء المسلمين ويا دعاة المسلمين!

ويقول سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} [الإسراء:56] فلا يملك كشف الضر إلا الله، فيتحداهم الله سبحانه، يقول: ادعوا الهيئات، وادعوا المشايخ، وأهل الزوايا، والاتجاهات والأطروحات في الساحة, ادعوا أذناب استالين ولينين وماركس أن يكشفوا عنكم الضر, لا يستطيعون.

ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف:194] فهم أمثالكم تماماً, فادعوهم إن كنتم صادقين في الأزمات ليكشفوا عنكم الضر, وهذه علامة فارقة بين الله عز وجل القادر وبين ما دونه.

وقال سبحانه: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45] يقول بعض المفسرين، وصحح ذلك ابن كثير: إن الرسول عليه الصلاة والسلام صلَّى بالأنبياء يوم أسرى الله به.

أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم

لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم

كنت الإمام لهم والجمع محتفل أعظم بمثلك من هاد ومؤتمم

فصلّى بهم عليه الصلاة والسلام والتفت؛ لأن الله قال له: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف:45] يقول بعض المفسرين وليس كل المفسرين: إذا اجتمعت بهم فاسألهم هل جعل الله من دونه آلهة تعبد؟

فلما سلّم عليه الصلاة والسلام ورأى وجوه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام رأى ضياء التوحيد والإيمان يشع, فاستحيا أن يسألهم؛ لأن الأمر ظاهر, ومعلوم بالضرورة، فسكت عليه الصلاة والسلام, فهذا قول بعض المفسرين.

وقال سبحانه: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الشعراء:213] وقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88].

سمعت أستاذاً في العقيدة بيض الله وجهه -لا يزال حياً- يقول في شريط له وهو يتكلم عن الشيوعيين والحداثيين في الساحة: يا حداثيون يا شيوعيون أنتم ما تخافون من آلهتكم لأنهم أصبحوا رماداً، أصبح الواحد منهم حماراً منتناً كـ استالين ولينين وماركس وانتهوا, لكن نحن إذا حللنا أو رحلنا خفنا من الله الحي: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] عبدوا الذوات والأشخاص والأصنام وفنت، وبقي الله حي لا يموت سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

وقال سبحانه: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} [الأعراف:158] وهذه من صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالى, فالأمور المشتركة قليلاً ما يتحدث عنها في القرآن, مثل: العليم يأتي صفة، لكن الإنسان له علم يليق به ولله علم, فلو كان موسى عليه السلام يوم قال له فرعون: من ربكما يا موسى؟ قال: ربي عليم, قال: وأنا عليم, لذلك ما أتى بها موسى, لأن الأمور المشتركة ما يجادل بها, وإذا قال: من ربكما؟ قال: حكيم, قال: وأنا حكيم, وإذا قال: من ربكما؟ قال: الحي, قال: وأنا حي, لكان نازعه بالحجة, ولكان أمسكه بتلابيب ثيابه، ولكان الناس سلموا لفرعون, لكن قال موسى -حتى يقول الزمخشري: لله دره من جواب! -: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] وقد مرَّ شرح هذا فيما سبق في (سورة العصر منهج حياة).

ويقول سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم:40] الله هو الذي خلقكم، وهذا انفراد لله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم:40] وأنا أعرف أن الكثير من الناس يقولون: هذا أمر معلوم, لكنني أقول: إن هذا لن يكون معلوماً على الحقيقة حتى يعمل به، ويدخل في كياننا وحياتنا ومعاملاتنا وليلنا ونهارنا, وقال سبحانه: {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم:40] هل تجدون أحداً يفعل ذلك؟

هل تذكرون لنا اسماً واحداً يفعل مثل هذه الأمور؟ لا لا.

وانظر إلى عرض القرآن للتوحيد فإنه عرض جميل, وعرض التوحيد بالعصا لا يصلح, الشباب الناشئة في الابتدائية، إذا عرض لهم التوحيد بالعصا والهراوة لا يفهمون.

صحيح أنه يلقنها ويحفظها حرفياً، وتبقى معلوماته عن التوحيد بذهنه، لكنه لا يعيشها في واقعه, ولا يتأثر بها, ولا ينشأ مؤمناً؛ ولذلك وجد من شبابنا من يحفظ القرآن ولا يصلي, ومن يحفظ القرآن ويتناول المخدرات, لأن الإيمان لم يصل إلى قلبه, والتوحيد ليس مجرد تلقين, لكن طريقة القرآن إحياء التوحيد بعرض جميل، يقول سبحانه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:6 - 14] ما أجمل هذه الصور! كل كلمة تحتاج إلى محاضرة, إنها صور يشاهدها الإنسان في الكون, إن الفلاح في المزرعة وداخل البستان, والناظر إلى الحدائق الغنَّاء يشاهد آثار الله وآثار التوحيد في الكون.

يقول سبحانه: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65].

بعض الناس اليوم يدَّعي علم الغيب عليه لعنة الله, ويستخدم الجن، فيضل الناس بهذه الفرية الكبيرة الكاذبة, فيذهبون إليه لأنه بزعمهم يعلم الغيب, والله يقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65] فلا يعلم الغيب إلا الله, ومن ادعى أنه يعلم الغيب فهو كاذب, والله يطلع بعض رسله على بعض الغيب منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى, أما من ادَّعى علم الغيب فقد كذب واستخدم الجن لذلك، وهو منحرف عن شريعة التوحيد وملة لا إله إلا الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015