لكن اسمحوا لي أن أستعرض أدلة القرآن، وفيها ما يقرب من مائة آية صحيحة في هذا المبدأ, ولو أن بعض العلماء يقول: ثلاثة أرباع القرآن توحيد, وبعضهم يقول: كل القرآن توحيد, وهذا صحيح.
قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4].
يا محمد! قل للناس يا محمد! قل للبشرية: الله أحد, كيف تدرك العقول أن الله أحد ولا تعبد أحداً غيره؟ لأن الجاهلية القديمة تعبد الأصنام والأوثان، والمانوية تعبد الليل والنهار, وبعضهم الضياء والظلمة, وبعضهم النار والنور, فأتى صلى الله عليه وسلم يقول: الله أحد, فمبدؤه: الله أحد.
وعلَّمها أصحابه، ولقنها صلى الله عليه وسلم بلالاً في قلبه، فيسحبونه في الرمضاء، فيقول: أحد أحد, ويضربونه فيقول: أحد أحد.
فمتى نعرف نحن هذه الجملة؟
إنها هي التي إذا ملكناها دمرت كل شيء بإذن ربها، فنكون على عقيدة خالصة.
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فليس له شريك, والجاهلية العصرية العلمانية الآن تتخذ إلهاً من دون الله، فهم لا يعبدون الأصنام والأوثان, لكن لهم أصناماً وأوثاناً أخرى, ولهم أسياد يعبدونهم, ولهم أوثان من البشر, ولهم شركيات أعظم من شركيات الجاهلية, فالعلم عند العلمانية طاغوت مثل الصنم، يعبد من دون الله, لأنهم فصلوا العلم عن الإيمان.
والرسول عليه الصلاة والسلام أتى بالعلم والإيمان كما في الصحيحين: {مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث} والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56].
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2] الذي تصمد إليه الكائنات: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:2 - 4] فهذه السورة ردت على ثلاث طوائف, على اليهود والنصارى والمشركين, وهذه السورة تعدل ثلث القرآن، وهي حبيبة إلى قلوب الموحدين يحبونها ويفهمونها.
وبعض الناس من المسلمين مشرك، تجده يقرأ قل هو الله أحد ولا يفهمها, فغلاة الصوفية، وأهل البدع المنحرفين الضالين يقرءونها ولا يفهمون معناها.
وأحد الصحابة كان -كما في الصحيح- يقرؤها في كل ركعة, فشكوه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: سلوه: ما له يقرؤها؟ قال: لأن فيها صفة الرحمن وأنا أحب الرحمن, قال عليه الصلاة والسلام: {حبك إياها أدخلك الجنة} وهذه السورة حبيبة عند المؤمنين، قال سبحانه عن الكفار وعن مفترياتهم وأطروحاتهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:5].
وفي سنن أبي داود أن حصين بن عبيد وفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم -والحديث صحيح- فقال: {كم تعبد يا حصين؟ قال: أعبد سبعة, قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: من لرغبك ولرهبك؟ قال: الذي في السماء, قال: فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء} سبحانه!! هو الذي ينفع ويضر, ولا يكشف السوء والبلوى إلا هو, يعرفها الإنسان حتى المشرك إذا أتته الأزمات, قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس:22].
الذين يذهبون إلى قبر أحمد البدوي وزينب، وإلى قبر عبد القادر الجيلاني، وإلى ضريح إقبال محمد علي جنة وأمثالهم في العالم الإسلامي ويتوسلون، هؤلاء مشركون, قالوا: ما نعبدهم إلا حباً، وقبر الحسين، الذي يطوفون به هذا من الشرك الذي لا يختلف فيه, ولا نقول ذلك من أنفسنا لكن من مفهوم الكتاب والسنة أنه شرك, فالجاهل يعرف أن الصنم لا ينفعه ولا يضره، قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
والكفار يقولون لما قال عليه الصلاة والسلام: {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:5].
ويقول سبحانه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء:22] ولو كان في الدنيا وفي المعمورة إله آخر مع الله لفسدت, لأن هذا يأمر بشيء وهذا يخالفه, وهذا ينهى عن شيء وهذا يخالفه, فالفطر تقول: لا يستوي إلهان اثنان في العالم, بل لا بد من انفراد إله واحد وهو الله، وهو السر الذي تكلم عنه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كلٌ يقول: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه} [الأعراف:59].
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:31] قال عدي بن حاتم والحديث صحيح: {يا رسول الله! ما نعبدهم -يقول: لا نسجد لهم ولا نصلي- قال: أليس يحلون الحرام فتحلونه ويحرمون الحلال فتحرمونه؟ قال: بلى.
قال: فتلك عبادتهم}.
إذا اتخذ الإنسان شيخاً، يدله على التحريم والتحليل بدون دليل، ويتقرب إليه، ويقبل يديه من باب التقديس على أنه ينفع ويضر ويشافي ويعافي, بل بعضهم أجلس معه في الحرم هنا وأسألهم عن مشايخهم, وكيف نفعهم وتأثيرهم في العالم؟
بعضهم يقول: أسباب نصر المجاهدين بركة الشيخ, والشيخ في زاوية بينه وبين الجهاد ألفي كيلو متر, وبعضهم يقول: إذا دعا الشيخ أو إذا مسحنا يد الشيخ نزل المطر, وكانت ابنتي مريضة فمسها الشيخ فتشافت بلا علاج, وهذا أكبر شرك في العالم, وهذا يُضحك منه الخواجات الحمر ويقولوا: انظروا إلى الإسلام!! وهناك فيلم في أمريكا يعرض الخرافات الصوفية ويقول: انظر إلى الإسلام, فنقول: الإسلام بريء من هذا، وهذا ليس من الإسلام.
أهذا الإسلام؟!
أهذا الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم؟!
نبرأ إلى الله اللهم إنا نبرأ إليك من هذه الطرق والشركيات والخرافات التي شتتت العالم الإسلامي.
ويقول سبحانه في دليل الإلزام في القرآن في سورة الطور: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] وهذا إلزام لأنه ما ترك لك منفذاً فألزمك بهذا المنفذ.
فالاحتمالات: أم خلقوا من غير شيء؟ لا.
أم هم الخالقون؟ لا.
بقي احتمال ثالث أن الله خلقهم, وهذا الإلزام عجيب، وهي طريقة منطقية يسلكونها, يقولون: أنت لست قائماً ولا ماشياً، فما هو الاحتمال الثالث؟ هو أنك جالس.
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] فلا خلقوا أنفسهم، ولا خلقوا من غير شيء, فيبقى احتمال ثالث عند العقلاء، وهو أن الله هو الذي خلقهم سبحانه.
ويقول الله عن سر من أسرار التوحيد اتصف به وهو خاصية له سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] سبحانه! كل ما سواه يموت إلا هو, وقال: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93] وقال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26] لكنه اختص بأنه الحي الذي لا يموت, وبعض أهل العلم يقول: الاسم الأعظم هو الحي القيوم, فهو لا يشترك معه أحد فيه, لأن حياته دائمة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقدرته مستمرة: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] وعرف بمفهوم المخالفة من الآية أن من اتخذ من دون الله إلهاً آخر، فإنما اتخذ ميتاً يفنى.