وهذا حديث كذلك قد مر في القصة، يقول أبو قتادة أحد الأنصار: يوم التقينا يوم حنين رأيت رجلاً من المسلمين يتصارع مع رجل من المشركين وقد التزمه، قال: فرفعت سيفي فضربت المشرك، فترك ذاك وأتى إلي واحتضنني حتى وجدت منه برد الموت ثم ألقاني ومات، فقال عليه الصلاة والسلام: لك سلبه.
وفي هذا الحديث -أيضاً- جواز مقاتلة النساء عند أمر الفتنة مع الرجال في صف المسلمين, وقد أورد ابن كثير بأسانيد صحيحة: أن أم سليم قاتلت مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين.
وأم سليم هي أم أنس بن مالك التي أهدت ابنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: أنس يخدمك يا رسول الله فادع الله له، فدعا له.
وأم سليم هي التي يقول عنها صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة البارحة فرأيت الرميصاء في الجنة}.
حضرت المعركة وكانت عندها خنجر في وسطها, فأخذ زوجها أبو طلحة يداعبها ويمازحها ويقول: ماذا تفعلين بهذا الخنجر؟ قالت: إذا تقدم مني كافر بعجت بطنه بهذا الخنجر، فسمع صلى الله عليه وسلم مقالتها فتبسم ثم دعا لها.
فأقر صلى الله عليه وسلم المرأة على أن تشارك في الحرب عند الحاجة, أما إذا كان هناك فتنة أو مغبة اختلاط، فلا ينبغي أن تشارك المرأة إلا إذا احتيج إليها، وشأن المرأة في القتال مداواة الجرحى والقيام على الأسرى وتقريب الماء والخدمات للمقاتلين.
وفي هذا الحديث: {ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين} يقول أحد المسلمين: لما التقينا يوم حنين رأيت كافراً من هوازن يفتك بالمسلمين فتكاً ويقتل فيهم قتلاً، قلت: لله علي نذر إن أمكنني الله منه أن أقتله، قال: فلما انهزموا وأصبحوا في ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدموا يبايعونه على الإسلام, فتقدمت لأسبق هذا الرجل قبل أن يبايع الرسول عليه الصلاة والسلام لأقتله, فسبقني حتى وقف أمام الرسول عليه الصلاة والسلام, وعلم صلى الله عليه وسلم أني نذرت, فأراد أن يترك لي الفرصة حتى أقتله.
قال: فانتظر فما فعلت، قال: فأسلم الرجل فولى.
قلت: يا رسول الله أريد قتله فإني نذرت، قال: أما رأيتني تأخرت عن قبول إسلامه؟ فلماذا لم تومئ لي يا رسول الله بعينك، قال: {ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين} لأن خائنة الأعين أو الغمض من شيم أهل الخيانة والخداع والمكر والنفاق, أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه صادق واضح مخلص لا يريد التواءً في عقيدته ولا في سيرته ولا في معاملته للناس عليه الصلاة والسلام.