قال الإمام البخاري رحمه الله: (باب غزوة حنين) حدثنا محمد بن عبد الله -أي المسندي - حدثنا هشام حدثنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، قال: {أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض العرب الذين شهدوا حنيناً , كلاً منهم مائة ناقة، وترك الأنصار.
فاجتمع الأنصار وقالوا: غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً وسيوفنا تقطر من دمائهم أفلا يعطينا؟!
فسمع عليه الصلاة والسلام ذلك, فجمعهم في حظيرة -وفي رواية الزهري في قبة من أدم- ثم أشرف عليهم وقال: يا معشر الأنصار, ما قالة بلغتني عنكم؟
قالوا: هو ما سمعت يا رسول الله، أما رؤساؤنا وفقهاؤنا فلم يقولوا شيئاً, وأما شبابنا فقالوا: غفر الله لرسول الله, يعطي قريشاً من المال ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقام عليه الصلاة والسلام خطيباً.
فقال: يا أيها الناس, صدقتموني وقد كذبني الناس، وآويتموني وقد طردني الناس، ونصرتموني وقد خذلني الناس.
فقالوا: لله المنة ولرسوله، فرفع صوته.
فقال: ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ قالوا: بلى.
قال: وأتيتكم فقراء فأغناكم الله بي؟ قالوا: بلى.
قال: وأتيتكم متخاذلين فألف الله بين قلوبكم بي؟ قالوا: بلى، والمنة لله ولرسوله.
فرفع صوته وقال: يا معشر الأنصار, أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير, وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فوالله لما تذهبون به إلى رحالكم خير مما يعود به الناس، يا معشر الأنصار, أنتم الشعار والناس الدثار, والله لو سلك الناس شعباً ووادياً لسلكت شعب الأنصار وواديهم، غفر الله للأنصار، ورحم الله الأنصار، ورحم الله أبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار, فارتفع بكاؤهم وقالوا: رضينا بالله رباً وبمحمد نبياً}.
هذه الرواية جمعها البخاري وبددها وصنفها في كتابه على حسب ما رأى من إخراجه الفني في الصحيح رحمه الله رحمة واسعة.
وهذا الحديث حدث عالمي هائل، وهو من أرق الأحاديث في السيرة النبوية, وهذا الحديث من أعظم خطبه عليه الصلاة والسلام، رواه الجمع عن الجمع وتناقله الأنصار عن الأنصار, وهو أعظم حديث للأنصار رضوان الله عليهم وأرضاهم، وكانت هذه القصة في معركة حنين الخالدة التي تناقلها أهل التاريخ والسير باستفاضة, وهي معركة مذهلة ذكرها الله عز وجل في كتابه, وجعل قسماً من سورة التوبة في حدث هذه الغزوة.