من معالم هذه المدرسة: أنها مدرسة تتبع الدليل؛ فهي لا تتعرف إلا بالوحي، والعصمة لكتاب الله عز وجل ولرسوله عليه الصلاة والسلام.
قرأت أن بعض المستشرقين أراد أن يسلم وقد تعلم العربية وكان سبب إسلامه أن عرض عليه المصحف فابتدأ بسورة البقرة (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1 - 2] قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
قال له أحد الناس: ولم؟
قال: كل كاتب إذا كتب كتابه، بدأ في المقدمة يعتذر من النقص والتقصير إلا الله، فإنه بدأ متحدياً أن يوجد في كتابه نقص أو تقصير!!
انظر إلى الكتبة! انظر إلى رسائل الماجستير والدكتوراه وكل كاتب في أي علم يقول: معذرة، وإن أتى سهو أو خطأ فمن نفسي، والشيطان، ومن وجد عيباً فليصلحه أو يتصل بي، لكن الله عز وجل يقول: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1 - 2] يقول: ليس فيه شك ولا نقص ولا تقصير ولا تردد ولا ريبة، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن كتابه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82].
آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جمال العتق والقدم
أتى على سفر التوراة فانهدمت فلم يفدها زمان السبق والقدم
ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زار الجفن في الحلم
لا إله إلا الله! سبحان من أنزله وأحكمه! فـ أهل السنة يؤمنون بهذا الدليل أنه وحي {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] ورسوله عليه الصلاة والسلام هو الذي قال: {ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه} قال تعالى فيه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5].
فمدرستنا مدرسة أهل السنة والجماعة ليس فيها معصوم غير الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى تجد بعض الناس يبالغ في حب بعض المنظرين، أو الدعاة المشهورين أو العلماء، حتى يصير كلامهم صحيحاً لا يقبل الخطأ، وكلام غيرهم خطأ لا يقبل التصحيح، وهذا خطأ.
وأنتم تعرفون فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية حين سئل عمن قال: إنه يجب أن يتبع إمام من الأئمة ولا يخالف قوله؟
قال: يستتاب من قال هذا القول؛ فإن تاب وإلا قتل.
وكان الإمام أحمد -كما روي عنه في السير- يقول: خذ من حيث أخذ مالك والثوري وابن المبارك ومقصوده: من بلغ درجة الاجتهاد وأصبح لديه الملكة والآلة وقال ابن عبد البر: "أجمع أهل العلم على أن المقلد ليس من أهل العلم".
ومقصودي أيها الإخوة الكرام! أن ميزة مدرسة أهل السنة والجماعة أنها تتبع الدليل؛ وهو قول الله وقول رسوله الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول أحد الفضلاء في بعض كتبه: على طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل من المعصوم عليه الصلاة والسلام، فالعلم إنما هو مسألة محققة بدليلها، والدليل مطلوب حتى نبه الله عليه في القرآن، فقال: {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] فالعلم: هو الدليل.
وقال سبحانه: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] وجاء في حديث رواه ابن خيثمة ولكن في سنده نظر كما ذكره ابن حجر: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نظر إلى الشمس، فقال للرجل: أترى هذه؟ قال: نعم.
قال: على مثلها فاشهد} دل على ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (َ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86].
وهو أن تعتصم في كل مسألة بدليل من المعصوم عليه الصلاة والسلام ينقذك بإذن الله ويحميك، وهو البصيرة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] قال مجاهد -: البصيرة: العلم.
وصدق، فإن أصحابه عليه الصلاة والسلام لا يتعاملون بأهواء ولا عواطف ولا كلام فكري، سمعت بعض الناس في شريط أو شريطين ما يقارب ثلاث ساعات يتكلم في الدعوة ولم يأتِ بآية ولا حديث، فكلها مركزية الدعوة والمنهجية والأُطر، وهذا مجرد كلام، وإلا فالعلم آية وحديث، فهذا مَعْلَم بارز من معالم مدرسة أهل السنة والجماعة.