إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
إخوة الإيمان! حملة التوحيد! رواد العقيدة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم! عنوان هذه المحاضرة: (الدعاة والورقة الرابحة) وقبل أن أبدأ؛ أشكر المولى على أن جمعني بهذا الجمع المبارك الكريم، وأسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يتمم هذا الاجتماع بكم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشكر الزميلين الفاضلين: فضيلة الدكتور/ إبراهيم الهويمل، وفضيلة الشيخ/ أحمد الباتلي، وأتوجه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى من هذا المنبر الكريم أن يحفظ إمام السنة، وعالم الأمة في هذا العصر؛ سماحة الوالد الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وله مناسبة ولسماحته مقام في هذه المحاضرة؛ إذ خطابه الذي وجهه إلى الأمة هو الورقة الرابحة للدعاة إلى الله على بصيرة.
ائذنوا لي قبل أن أبدأ بالمحاضرة أن ألقي على مسامعكم مقطوعة بعنوان: (أسماحة الشيخ).
أسماحة الشيخ الجليل تحية تهدى إليك وأنت فيض خطابي
براقة كجلال وجهك يا أبي محفوفة بالأهل والأصحاب
أنا إن مدحتك صرت أمدح مهجتي فرضيت تلويحاً عن الإعراب
يا بن الثمانين التي أفنيتها في العلم والأخلاق والآداب
يا بن الثمانين التي أهديتها لله بين هداية وصواب
يا بن الثمانين التي أمهرتها للمجد لا لملذة وكعاب
أنت الصدوق إذا تلعثم كاذب برقاعة الأسمال والأثواب
أنت الوفي إذا تعثر خائن وأتاك بالأحفاد والنواب
لله درك لم تزل متوقداً كالفجر في إقدامه الوثاب
حلفت قلوب الناس إنك صادق نسب المحبة أعظم الأنساب
يا عالم الإسلام كل معلم تلميذكم في هذه الأحقاب
بالله يا محبوب أي فضيلة خلفتها للصيد والأحباب
أسرج فديتك خير جيل محمد من طنجة الفيحا إلى البنجاب
عرضي لعرضك من سفيه فدية سود العيون تصان بالأهداب
ودمي على مسعاك سال منادياً شاهت وجوه الزمرة الأذناب
أهل الحداثة والتفرنج والخنا هم زعزعوا الإسلام بالأطناب
مردوا على الكفر العظيم وظاهروا أسيادهم بالفكر والأسباب
ورووا خطابك يا كريم فحرفوا ألفاظه أشباه أهل كتاب
حملوه من مرض النفوس محاملاً مغلوطة في الحضر والأعراب
وتقصدوا أعراضنا بخناجر مسمومة من صنع ذاك الغاب
ورموا حمانا بالتطرف ويلهم من زمرة الأوثان والأنصاب
يا رب فاقبلنا حماة عقيدة نرجوك في الأخرى عظيم ثواب
أيها الكرام البررة! يا تلاميذ المدرسة الربانية؛ مدرسة أهل السنة والجماعة، المدرسة الخالدة التي تستمر وتعطي وتنتج، رضيها الله عز وجل، طائفة منصورة إذا اجتمعت معصومة من الخطأ والزلل، يمثل هذه المدرسة إمامها محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تلاميذها: أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ: محمد بن عبد الوهاب، والشيخ: عبد العزيز بن باز، وهذه المسيرة الرائدة.
وإنني من هذا المكان أدل الجيل على كتب جيدة علمها من علم! وطرحها من طرح؛ لفضيلة الشيخ الدكتور/ ناصر العقل، فلله دره! كيف أجاد في عرض مذهب ومنهج أهل السنة والجماعة بعرض عصري مع احتفاظه بروح النص، وجلالة المأخذ من الكتاب والسنة، وأنا أدعوه من هذا المكان إلى المزيد من الكتابات والأطروحات في هذا المنهج الخالد وتوضيحه؛ وإنني لألتمس إليه باسمكم -جميعاً- أن يضع كتاباً في مسائل الدعوة والعمل، والخلاف والافتراق، وما للدعاة من مكانة، وماذا يجب عليهم تحت مظلة أهل السنة والجماعة؟!
أيها الإخوة الكرام! سبق وأن ألقيت محاضرة بعنوان: (كيف يذبح الإسلام؟) وهي طريق إلى هذه المحاضرة التي هي بعنوان (الدعاة والورقة الرابحة) وسوف ألخصها في دقائق، عرض هناك كيف ذبح ديننا بسكاكين إسلامية، أي: أن الإسلام ذبح على الطريقة الإسلامية! ونحن نقول هذا مضطرين دفاعاً عن دين الله عز وجل.
ذكر الإمام الذهبي أن أحد المحدثين أتته سكرات الموت، وهذا المحدِّث طوال حياته يسمع حدثنا، حدثنا ويعيش معها، ويحبها، ويعشقها، ويتلذذ بها، فلمَّا سمع (حدثنا) وهو في سكرات الموت استفاق وجلس.
قالوا: تجلس وأنت في سكرات الموت! قال:
سقوني وقالوا لا تغنِّ ولو سقوا جبال سليمى ما سقيت لغنَّتِ
والبيت لـ مجنون ليلى، ومعناه: أنه سقي الخمر - مجنون ليلى - فلما سكر غنى، قالوا: لا تغنِّ، الغناء حرام، قال: تسقوني الخمر ولا أغني؟!
فالدعاة مضطرون إلى أن ينفاحوا ويكافحوا، وأنتم كذلك -جزاكم الله خيراً- يوم كثرتم السواد وحضرتم، منكم من هو أفضل من المتكلم وأعلم وأتقى وأنبل وأجل، ولكن حضر ليكثر السواد، وليراغم أهل الردة والنفاق، وليحضر بكيانه ليقف في جبهة التوحيد، ولينصر مسيرة أهل السنة والجماعة؛ فحضر أولئك ليكثروا السواد، ومنكم من هو على أبواب الامتحان، لكن أتى ليرابط على الثغر في مسجد فاضل، يسمع قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.