الغلبة للدين

{إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} لفظ الحديث: {ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} ويجوز على رواية: {ولن يشاد الدين أحداً إلا غلبه} على أن: (أحداً) مفعول به أو فاعل، فمعنى هذا اللفظ، أي: أن الإنسان أو المسلم إذا شاد الدين غلبه الدين، لأن كثرة طرق هذا الدين لا يستطيع أن يقوم بها الإنسان، وفكر في نفسك وأنت مسلم تحب الله والدار الآخرة: هل تستطيع أن تقوم بالجهاد، وبر الوالدين على أكمل وجه؟ وصلاة الليل، والنوافل، والعبادات، والإنفاق في سبيل الله، وتعليم الناس، والخشوع في الصلاة بحيث لا تفكر في أمر آخر؟ إلى آخر تلك الأمور لا يستطيع أحد أبداً.

ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} لأن الدين دائماً يغلب، حتى القرآن غالب لن يغلب، مهما حفظ الإنسان كتاب الله عز وجل، واستجراه في صدره، ثم قال: سأصلي بالناس، يجد أنه سوف يخطئ وينسى بعض الآيات أو الحروف، لأن هذا الدين قوي ومتين، كما قال صلى الله عليه وسلم في لفظ آخر: {فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا ظهراً أبقى، ولا أرضاً قطع} المنبت: هو الذي يسابق بالخيل أو بالجمال، فيسبق المتسابقين في أول الطريق، ويجهد دابته ثم ينقطع في وسط الطريق، فلا أبقى ظهر دابته، ولا قطع الطريق.

ولذلك يقول أبو سليمان الخطابي: رأيت بعض الصوفية يصلون الضحى إلى مائة ركعة، فإذا أتت صلاة الظهر ناموا وتركوا صلاة الظهر إلى قرب العصر، وهذا من قلة الفقه في الدين، وبعضهم يقوم الليل من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، فإذا قربت صلاة الفجر نام عنها، وصلاها مع طلوع الشمس، ما هذا الفقه الأعوج!!

فالشريعة التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم هي سهلة ميسرة على من فقهها وفهمها، لا على فهم الصوفية والخوارج، ولذلك قابلت الخوارج طائفة أهل السنة بالتشدد في الدين، حتى أنه صلى الله عليه وسلم يقول: {يحقر أحدكم صلاته إلا صلاتهم، وقراءته إلى قراءتهم، وصيامه إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية} يكثرون من نوافل العبادات، ولكن ما دخل الإيمان في صدورهم، وما وقر في قلوبهم، حتى من قلة فقههم مر بهم خنزير وهم قرب دجلة، فقالوا: مر بسلام، فقالوا للراشد منهم: كيف تقول هذا الكلام قال: لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83].

أهذا الخنزير من الناس!! ثم مر بهم نصراني، فقال: إن أحدكم عدى على نخلتي فجذ منها؟ قالوا: خذ ثمن نخلتك، يعني: عوضوه ومر بهم عبد الله بن خبيب رضي الله عنه فذبحوه -وهو من الصحابة- كما تذبح الشاة، وأخذوا امرأته وهي حبلى فبقروا بطنها وأخرجوا الجنين وذبحوه.

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} وقتلهم أمير المؤمنين أبو الحسن رضي الله عنه وأرضاه، وهي من حسناته عند الله تبارك وتعالى، صفى حسابهم في غداة واحدة أربعة آلاف، ثم سجد لله شكراً أن قتلهم، لأن في قتلهم قربى إلى الله تبارك وتعالى، ولما قتلهم خرج عبد الرحمن بن ملجم وكان في جبهته كركبة العنز من كثرة السجود، ومن كثرة ما يصلي في الليل، فشحذ سيفه بالسم الأزرق شهراً، ثم عدا على أمير المؤمنين سيف الله المرتضى أبي الحسن رضي الله عنه فقتله، فلما طعنه وحمل عليه رضي الله عنه دعي بهذا المجرم الخبيث عبد الرحمن بن ملجم، وقال علي: ما حملك على ما فعلت، قال: هذا السيف شحذته بالسم شهراً، وحلفت بالله العظيم أني أقتل به شر الناس، قال علي: فأنت شر الناس، والله لا يقتل بهذا السيف إلا أنت، فقتل بسيفه الذي قتل به أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، حتى أنه لما أتوا ليقطعوا لسانه قبل أن يقتل، قال: كيف تقطعوا لساني، وأتعطل عن ذكر الله!!! وهذا من قلة الفقه في دين الله عز وجل.

بل الفقه ليس هو التخلع والتجافي كما فهمه الأعراب، ولا الانحراف عن هذا الدين، ولا هو الغلو والإفراط كما فهمه الخوارج، لكن دين الله هو الوسط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015