يبقى هناك أمر عظيم وهو أن تحدث نفسك بالغزو في سبيل الله: {من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {جاهدوا المشركين بأموالكم وألسنتكم} وفي رواية: (وأنفسكم) وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} إذا سأل الإنسان الشهادة بصدق، أعطاه الله الشهادة ولو مات على فراشه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وقد ذكر ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل أبياتاً لأحد الشعراء، وقد ارتاح لها ابن تيمية، يقول فيها:
وحقك لو أدخلتني النار قلت للذين بها قد كنت ممن أحبه
يقول: يا ربي والله لو أدخلتني النار، لأقولن لأهل النار: أنا والله كنت أحب الله.
وأفنيت جسمي في أمورٍ كثيرةٍ وما منيتي إلا رضاه وقربه
أما قلتمُ من كان فيها مجاهداً سيكرم مثواه ويحسن شربه
وذلك لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].
{أتى أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فبايعه، فلما بايعه على الإسلام أعطاه مالاً، قال: يا رسول الله! ما على هذا بايعتك، بايعتك على أن يأتيني سهمٌ يقع هنا ويخرج من هنا -أي: في حلقه ويخرج من قفاه- قال عليه الصلاة والسلام: إن تصدق الله يصدقك} فأتت المعركة، فأتاه سهمٌ وقع في لبته وخرج من قفاه، فقال عليه الصلاة والسلام والرجل قد أصبح قتيلاً: {صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله} {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21].
فتحديث النفس بالغزو والجهاد وإعداد الجيل وإعداد الأمة، وإخراج جيل يجاهدون ويقاتلون ويحملون لا إله إلا الله، هو الأمر المطلوب وهو المفروض علينا جميعاً، وقال عليه الصلاة والسلام كما رواه أحمد والحاكم وهو حديث صحيح بمجموع طرقه: {من أعان مجاهداً في سبيل الله، أو غارماً في غرمه، أو مكاتباً في رقبته، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله} فليس هناك ظل آخر، أرض المحشر كلها شمس تدنو من الرءوس إلا من أظله الله.
فنسأل الله أن يظلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ويقول عليه الصلاة والسلام والحديث عند البخاري والترمذي وأحمد: {من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمه الله على النار} >
ابن المبارك لما ذهب إلى الجهاد مرَّ في الليل، فرأى قصر عبد الله بن طاهر أمير خراسان، قال: يا فلان، والله لليلتي هذه خيرٌ لي من قصر ابن طاهر، يا فلان ضيعنا حياتنا في المسائل وقال فلان وقال فلان، ما الحياة إلا الجهاد في سبيل الله؛ فرضي الله عنه وأرضاه، ويقول عليه الصلاة والسلام: {لا يجتمع شحٌ وإيمانٌ في قلب رجل واحد، ولا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخان جهنم في أنف واحد} يقول ابن المبارك في قصيدته:
ولقد أتانا من كلام نبينا قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يكذبُ
لا يجمعان غبار خيل الله في أنف امرئٍ ودخان نارٍ تلهبُ
ابن المبارك من أكبر الشعراء، وهو عالم محدث، لكنه من أكبر الشعراء، وشعره من أجمل الشعر وهو صاحب: يا عابد الحرمين، وهو صاحب:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍ وحياءٍ وكرم
قوله للشيء لا إذاقلت لا وإذا قلت نعم قال نعم
وهو الذي يقول:
إذا صاحبت قوماً أهل ودٍ فكن لهمُ كابن رحمٍ رفيقِ
ولا تأخذ بزلة كل قومٍ فتبقى في الزمان بلا رفيق
وهو صاحب:
عجبت لدجال، يقصد: الجهم بن صفوان
عجبت لدجال دعا الناس جهرةً إلى النار واشتق اسمه من جهنمِ
إلى آخر تلك الأبيات الجميلة، غفر الله له وأكرم مثواه، وقد ذكر الإمام أحمد قوله عليه الصلاة والسلام: {من اغبرت قدماه في سبيل الله ساعةً من نهار، فهما حرامٌ على النار} وذكر عليه الصلاة والسلام قوله: {لا يجمع الله في جوف رجل غباراً في سبيل الله ودخان جهنم، ومن اغبرت قدماه في سبيل الله، حرم الله سائر جسده على النار، ومن صام يوماً في سبيل الله، باعد الله بينه وبين النار مسيرة ألف سنة}
اللهم باعد وجوهنا عن النار، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تحرمنا على النار.