حضر المسلمون معركة تستر بين المسلمين والكفار، وكان قائدها أبا موسى الأشعري فالتقوا، فإذا جيش الكفار أكثر من المسلمين، قال: يا براء بن مالك! تعال.
والبراء بن مالك ثيابه مقطعة، ليس عنده دراهم، ولا قصر أو سيارة ولا رصيد أو شيكات، ولا شيء عنده إلا لا إله إلا الله، قالوا: نسألك بالله أن تقسم على الله اليوم أن ينصرنا، قال: سبحان الله! قالوا: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنك إذا أقسمت على الله أبر قسمك، ففي صحيح البخاري: {أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخت البراء يريد القصاص منها، لأنها كسرت ثنية امرأة أخرى، فقال صلى الله عليه وسلم للمرأة هذه أن تأخذ دية، وهي تقول: لا بد أن تكسر ثنية الربيِّع أخت البراء، فقال صلى الله عليه وسلم: لا بد من القصاص، حكم الله، قال البراء بن مالك: يا رسول الله! تكسر ثنية الربيِّع؟ قال: نعم قال: والله لا تكسر ثنيتها -سبحان الله! يحلف على أمر عظيم- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهبوا إلى تلك هل ترضى بالأرش، بعد ما حاور، فذهبوا، فرضيت، قال عليه الصلاة والسلام: ربًّ أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك} ودخل عليه أخوه أنس وإذا هو رافع رجلاً على رجل، وهو منقعر على ظهره، ويرفع النشيد الإسلامي داخل البيت، قال أنس: تنشد وأنت من الصحابة؟! لكن كان نشيده إسلامياً قوياً، كان نشيده يصل إلى القلب، كان نشيده من النشيد الخالد مثل:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينةً علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
كان نشيده مثل نشيد علي رضي الله عنه:
أنا الذي سمتني أمي حيدره
كليث غابات كريه المنظره
أكيلكم بالسيف كيل السندره
ونشيد جعفر:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبةٌ وباردٌ شرابها
والروم رومٌ قد دنا عذابها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها
عليَّ إن لاقيتها ضرابها
ليس نشيداً ميتاً، كنشيد الطعام والشراب، أو نشيداً من الذي يميت القلوب، فهذا لم يكن عندهم، قال: تنشد وأنت من الصحابة؟! فقال: اسكت عني، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد قتلت مبارزة مائة فارس، ولن أموت إلا شهيداً، فحضروا تستر، قالوا: تقدم، قال: انتظروني قليلاً، فانتظروه، فذهب واغتسل ولبس أكفانه وتحنط وتطيب، قال: [[اللهم إني أقسم عليك هذا اليوم أن تنصرنا وأن تجعلني أول قتيل]] وبدأت المعركة وقتل أول الناس وانتصر المسلمون: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].