هارون الرشيد كانت تسلم له الجزية من كل الأقاليم، وكان يحكم اثنين وعشرين دولة من دول العالم الآن، وهو في بغداد، وقد صعد مرة على قصره في بغداد، وكان مكتوباً على سيفه الحاج الغازي هارون الرشيد، يغزو سنة ويحج سنة، وكان يتنفل في النهار مائة ركعة، صعد على القصر وكان يستبشر بالمطر، فالناس في قحط، فمرت سحابة، قال: اللهم اسقنا الغيث، اللهم اسقنا الغيث، فمرت السحابة، فتبسم وقال: أمطري أنى شئت، فإن خراجك سوف يأتيني إن شاء الله، يقول: اذهبي حيثما شئت، إن تريدين الذهاب إلى إفريقيا، فـ إفريقيا في حكمي، وإن تريدين آسيا إلى السند، فـ السند لنا، وإن تريدين الشمال إلى طاشقند فـ طاشقند لنا.
ماتت امرأة كانت تحكم الروم، فتولى نقفور بعدها، فكتب لـ هارون الرشيد كتاباً، وهو لا يعرف هارون الرشيد يقول: أمَّا بَعْد:
فإن المرأة التي كانت قبلي كانت ضعيفة العقل، وكانت تدفع لك الجزية، وأما أنا الآن فلن أدفع لك درهماً ولا ديناراً، فوصل الكتاب وقرأه هارون الرشيد، ومن الاستهتار به أنه لم يكتب في ورقة أخرى، بل أخرج القلم وكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم.
أمَّا بَعْد فالجواب ما تراه لا ما تسمعه.
ثم قال لقائده: جهز جيشاً، فجهز جيشاً وما أمسى إلا وقد طوق الروم وأخذوا قائدهم وكتفوه، وقالوا له: هل تدفع الجزية؟ قال: أدفع الجزية، قالوا: مضاعفة، قال: مضاعفة، فقد كانوا يدفعون على الواحد عشرة دراهم، فجعل هارون على الواحد عشرين درهماً.
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلمِ
أما نصف البيت فنؤمن به، وأما نصفه الآخر فنكفر به، ولكن نقول:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقى مربض المستأسد الضاري
فالأمة تعيش في سؤدد وقوة وعظمة حتى يتخلى الناس عن الجهاد، ويتولى جيلها وشبابها عن حمل السلاح، وحتى يكون الكافر المستعمر يدرب قوته، ويجرب سلاحه.