وتستمر الحال، ويحاول الروم -أهل الصليب- أن يجربوها تجربة خاطئة مع المسلمين، وقد حدث في سوقهم في عمورية في شمال تركيا أن أتت امرأة ضعيفة مسلمة، فلما عرضت ما معها في السوق وكانت وحيدة، ليس في السوق مسلم إلا هي وأعرابي عنده بضاعة في السوق، فقام روميٌ، فلطمها على وجهها، فصاحت: وامعتصماه! من هو المعتصم؟ إنه الخليفة في بغداد، أمير المؤمنين، المعتصم أخو المأمون وابن هارون الرشيد والمعتصم هو الخليفة العسكري الذي كان يأخذ السيخ ويكتب به اسمه في الهواء، كان يربط رجليه في وتدين، ثم يقفز فيكسر الوتدين، ويقطع الحبال، ويعتلي على ظهر البغلة، يقول أهل التاريخ: لم يكن أقوى منه جسماً، قالت المرأة: وامعتصماه! فتضاحك الروم، وقالوا: انتظري للمعتصم حتى يأتي على فرسه الأبلق لينصرك في هذا المكان، بيننا وبين المعتصم ما يقارب ألف ميل، فذهب هذا الأعرابي من السوق إلى بغداد ودخل، قال: أريد الإذن من أمير المؤمنين، قال الحرس: ماذا تريد؟ قال: أمرٌ خطيرٌ، فأدخلوه، ومثل أمامه، قال: يا أمير المؤمنين! كنت يوم كذا وكذا في سوق عمورية، فضُربت امرأة مسلمة بين الكفار، فصرخت باسمك من عمورية تقول: وا معتصماه! فتضاحكوا، وقالوا: انتظريه على فرسه الأبلق لينصرك، فوثب من على الكرسي، وثبة معناها أن يقف له التاريخ، قال: والذي لا إله إلا هو لا يصل رأسي ماءٌ من جنابة حتى أنصرها بإذن الله، القتال القتال، أعلنوا في الأقاليم من يستطيع حمل السلاح ويتخلف فإن عقوبته الإعدام، وجهز جيشاً عرمرماً عداده تسعون ألفاً، وجعل إمامه في الصلاة أبا يوسف القاضي الحنفي العالم، وبدأ الاستغفار والتوبة والعودة إلى الله، ثم مضى بالجيش، ولما وصل حدود الروم بدأ يحرقها مدينة مدينة، أول مدينة وصل إليها بدأت النيران تشتعل في الروم، ثم قال: أين عمورية؟ قالوا: يا أمير المؤمنين! في الشمال، قال: يأتيها حسابها.
لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجربِ
يقول أبو تمام: كل مدينة تغار من الأخرى، يقول: فالخراب يسعى فيها أعدى من الجرب في الغنم، ووصل إليها هناك، قال: هذه عمورية؟ قالوا: نعم، قال: الله أكبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، قالوا: نفاوضك على الصلح، قال: حتى أرى حريقاً في المدينة، لا صلح حتى أرى الحصون تحترق، وبدأت الحصون تحترق، وأتى فارس الروم، فقال: من يبارز؟ قال المعتصم: أنا أبارزك، فنزل المعتصم، فلما برز، قام المعتصم -من الشجاعة- فخلع الدرع من على صدره وقد كان من أشجع الناس، فالتقى بالرومي، فضربه الرومي، فنشب سيف الرومي في درع المعتصم فأخذ المعتصم سيفه، فضرب الرومي، فقسمه نصفين، ثم بدأت المعركة، فسحقهم سحقاً عظيماً، فلما دخلها قال: لن أخرج من المدينة حتى يأتي الرجل الذي ضرب المرأة، فاجتمعوا وقالوا: هذا هو المجرم، فأتوا به، قال: أين المرأة؟ فأتوا بالمرأة، قال: يا أمة الله! أنا المعتصم، وهذا هو الرجل الذي لطمك، فهو عبدٌ لك إن شئت أعتقتيه لوجه الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، وإن شئت فهو مولى لك، قالت: قد أعتقته يا أمير المؤمنين!