في سورة الكافرون مسائل:
من المسائل في السورة أيها الناس الآتي:
المسألة الأولى: أن على المسلم أن يتميز بمعتقده، ومن ذلك:
1 - أن يكون لك تَمَيُّز، لا تشابه الكفار في الحركات، ولا السكنات، ولا في الأخلاق، ولا في السلوك.
من الهزيمة التي دخلت علينا، والغزو الفكري، والأخلاقي والسلوكي: أن كثيراً ممن يصلي ويصوم من أبناء المسلمين يشابهون الكفار في كثير من جوانب الحياة.
2 - أحياناً: الرطانة في الكلام تعتبر شعبة من شعب النفاق لغير حاجة، فإذا كانت لغير حاجة فهي شعبة من شعب النفاق، ذكر ذلك ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم.
3 - أن بعضهم يشابه الكفار في جلوسه، وهيئته، ويعجب بهم، ويثني عليهم، ويمدحهم، ويصفهم بالأوصاف الجميلة، وينتقص المسلمين فحذارِ من هذا.
المسألة الثانية: أن على الإنسان ألا يحاول أن يلتقي مع أهل الباطل في منتصف الطريق.
وأذكر أن أحد الناس، فيه هوس في فكره والعياذ بالله، وفيه ظلمة في معتقده، ولو أنه يصلي، قال له بعض العلماء: نرى أنك تتميز في كلامك، وفيما تكتب، وتتميز حتى تكون على بصيرة، قال: لا أحسن شيء أن تمسك العصا من وسطها.
وماذا يعني: أن تمسك العصا من وسطها؟ إن هذا منهج النفاق {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62] الله ذكر المنافقين في سورة النساء، فيقول: بأنهم يريدون إصلاح الأمور، {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62].
فإذا قلتَ: في الساحة بعض الحداثيين الملاحدة الذين يتكلمون بالكفر، قال واحد: لا، أستغفر الله! احملوهم على أحسن محمل.
وإذا قلتَ: إنه يسب الله، قال: ربما يكون له محمل آخر، ربما له توجيه، وإذا قلتَ: إنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: لا تدري أنت بنيته، أتحكم عليه؟ فإذا قلتَ: يستهزئ بالحجاب، قال: وَلَوْ وَلَوْ، وإذا قلتَ: يستهزئ بالعلماء، قال: وَلَوْ وَلَوْ.
وَلَوْ وَلَوْ؟! هذا من جنس الذي يقول: الالتقاء في منتصف الطريق، بمعنى: أن يُمايِزج بين الأفكار، ويقول: كل شبابنا فيهم خير، وأبناء الجزيرة ليس عليهم بأس، ولا تكفرون الناس، واحملوهم على أحسن المحامل.
{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16] {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [النساء:51 - 52] قيل: المقصود بـ {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [النساء:52] الذين قالوا هذه الكلمة.
إن بعض الناس لسوء معتقده، وسوء بصيرته بالدين، يغلب الفجرة على المؤمنين من طلبة العلم والعلماء والدعاة، ويصفهم بالاتزان، وببعد النظر، وباتساع المعرفة والآفاق، وانشراح الصدر، وأدب الحوار، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:51 - 52].
قضية أنك تلتقي مع الفاجر على أنصاف الطريق، مثل الحلول، كأن تقول له: اكتب أنت، ولا بأس أن تكتب، ولا بأس أن نكتب، ونتحاور أنا وإياك، مثلاًَ: دعنا نتكلم في قضية القضاء والقدر، ربما تكون ثابتة، وربما غير ثابتة، ثم تقام في ذلك ندوة.
سبحان الله! أمثل هذه القضايا تُطْرح؟!
أنا رأيت محرر صحيفة كتب رسالة إلى بعض الدعاة، ورأيتُ جزءً منها يقول فيها: نريد أن نفتح حواراً عن القضايا، حتى القضايا الكلية في الإسلام، سبحان الله! أتحاورني أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان رسولاً أو لم يكن، أنا أمزق حوارك في وجهك، أنا لا أقبل، محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أصبح حبه يسيل في دمي، وفي سمعي وبصري، تجلس معي في القرن الخامس عشر، وأسيادك تنهار بهم الشيوعية واللعنة الغارقة في موسكو، وتجالسني الآن لأثبت لك نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
والسيوف البيض في وجه الردى يوم ضرب الهام من دون النبوة
منذ ألف وخمسمائة سنة، وأبناؤنا تسيل دماؤهم في الجبهات من أجل مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم، والألوف المؤلفة تقتل في سبيل الله في الهند والسند وطاشقند وأسبانيا، وفي كل مكان، ثم تأتيني لأجلس معك في ندوة في نادٍ أدبي ونقرر القضاء والقدر؟ ونقرر الخلافة الراشدة؟ وأتكلم لك: هل هذه الأمور الغيبية صحيحة أم لا؟ وأتكلم لك: هل الرسالة هي للناس كلهم أم أنها فقط للدول العربية والإسلامية؟
ليس هنا حوار، فهناك أمور تقبل الحوار، وهناك أمور لا تقبل الحوار، وليس فيها إلا قطع الرءوس، (دون خَرْط القَتاد) صحيح: أنني أقبل الحوار في بعض الأمور الفرعية التي تقبل الحوار، فتحاورني فيها، مثلما تحاور مالك والشافعي، ما معنى: نريد الحوار المفتوح، ونريد أن نسمع الرأي الآخر؟! أتريد أن تسمعني رأي شامير في المسجد؟ ورأي استالين ولينين؟ ورأي الشيطان؟ وأقول لك هذا حوار؟ فإذا غضبتُ عليك، قلتَ: لا تتشنج علينا، ليس عندك أدب، أنا ليس عندي أدب؟ بل أنت ليس عندك أدب، أنت قليل أدب، هذا من ضمن {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1].
الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول للفجرة: قل لهم: لا.
لا التقاء، هذا الذي هو النفاق والكفر والنفاق في النار.