في سورة النصر دروس:
الدرس الأول: أن أعظم نصر للعبد: أن ينتصر على نفسه، وقد انتصر المسلمون على أنفسهم، فنصرهم الله على أعدائهم.
الدرس الثاني: أن النصر الأكيد: هو نصر الله لأوليائه على أعدائه، لا انتصار المسلم على المسلم، والحروب المفتعلة التي تجريها الشعوب والدول الإسلامية فيما بينها، أو القبائل الإسلامية العصبية الجاهلية، ليست من الانتصارات.
الدرس الثالث: أن الفتح العظيم: أن يفتح الله عليك بالتوبة، فإذا فتح عليك بتوبة، فقد فتح عليك فتحاً مبيناً.
والفتح هنا: فتح مكة، ومنه بدأت الرسالة تشع في أنحاء العالم، وبدأت الشعوب تدخل في دين الله، وبدأت جيوشه عليه الصلاة والسلام تذهب إلى المدن والقرى تحررها من ران الطاغوت.
الدرس الرابع: أنه لا يستوي من أسلم من قبل الفتح وقاتل، ومن أسلم من بعد الفتح وقاتل، ولا يستوي من أحب الدين؛ لأن الدين محبوب، ومن أتى مجاملة، أو حضر ليستمع هكذا، أو تفرجة لا يستوي مع الأول، ولا يستوي كذلك من قدم تضحيات من جهده ووقته للدعوة، ومن ماله، ومن عرق جبينه، ومن جلس متفرجاً سلبياً، يصلي الصلوات مع الناس، وقد يزكي، وقد يحج ويعتمر؛ لكنه لا يضحي ولا يعطي ولا ينفق، أفهولاء الآخرون مثل الذين أسلموا من قبل الفتح؟! أمثل عرق أبي بكر الصديق، وجهد عمر، ودم علي، وجمجمة عثمان، هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بكل غالٍ ورخيص، حتى انتصرت (لا إله إلا الله)؟! أما الذين أسلموا بعد الفتح، فهم كالمفترج، فإن انتصر الإسلام فهم معه، وإن كان الدين عالياً فهم معه، وإن كان الدعاة في خير فهم معهم، وإن كانت الأمور ميسرة وليس فيها منغصات فالأمور سائرة، أما إن كان هناك خوف أو تنغيص أو ملاحظة أو شدة، فلا، قال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] ويقولون: اتركونا نصلي، ونزكي ونصوم، ويظن أحدهم أنه إذا صلى وزكى وصام فقد أدى رسالته لهذا الدين، ولكنه ينسى أن الكافر يضحي لمبادئه أكثر من تضحيته هو لها، فهذا السلبي لا ينفع الدين ولا ينفع الإسلام، وقد ينجو في الآخرة، لكنه لا يرتفع عند الله درجات.
الخامس: أن الإنسان لا يزهو بعمله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أزكى الناس عملاً، وأخلصهم نهجاً، وأصدقهم لهجة، ومع ذلك قال له الله: (وَاسْتَغْفِرْهُ).
يقولون: إن من الدروس في هذه السورة: أن الله عز وجل ذكره بأنه مهما قدم للدين، ومهما دفع من تضحيات، فإنه مقصر عليه الصلاة والسلام، هكذا قال أهل العلم، فبالنسبة للكمال الذي يريده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من العبد فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قيل له: حتى أنت يا رسول الله! وذلك لما قال: {لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا.
إلا أن يتغمدني الله برحمته} {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21].
الدرس السادس: أن الأعمال الصالحة تُخْتَم بالاستغفار، فمن السنة بعد الصلاة أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199] هذا بعد الحج، وقِسْ على ذلك باقي الأعمال.
الدرس السابع: أن على العبد إذا دنا أجله، وقرب رحيله، أن يكثر من التوبة والاستغفار، وهذا لا يعني أن الشباب ليس عليهم توبة واستغفار، لا.
ولكن من قَرُبَتْ راحلتُه وأشرفت على منى ورأى المصلى، وجنب الغضا أن عليه أن يكثر من الاستغفار، وأن يطلب الرضا من الواحد الأحد الذي يعلم السر وأخفى.
ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه تواب يقبل التوبة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه لطيف بعباده، وأنه كريم، وأنه ما طرق بابه أحدٌ فرُدَّ، هل سمعتم بأحدٍ قرع باب الله في توبة، ورُدَّ؟ فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يغفر الذنب و {يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى:25].