قال عليه الصلاة السلام كما في صحيح مسلم عن أبي سعيد: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} ولعلماء أهل السنة شرحان اثنان ومنهجان في هذا الحديث.
المنهج الأول: ينزل معنى الحديث على أصناف الناس، من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، هذا لأهل السلطة التنفيذية، للقضاة والأمراء، لمن في يدهم سوط وسيف، فهذا القسم لهم {فليغيره بيده}.
{فإن لم يستطع فبلسانه} هذا للدعاة وللعلماء وطلبة العلم.
{فمن لم يستطع فبقلبه} هذا للذي لا يملكون حجة وبياناً ولا سيفاً ولا سناناً، فهم: ليسوا من العلماء والدعاة، ولا من الأمراء والقضاة، فعلى هؤلاء أن ينكروا بقلوبهم.
المنهج الثاني: وهو منهج تدريجي تطويري على جميع المسلمين، على المسلم أن ينهى أولاً بيده إن استطاع؛ كما ستأتي الشروط، فلا يجلب مفسدة أعظم، يقول لأحد الناس: لا تسبل إزارك ثم يضربه على وجهه مع الصباح كفاً حاراً، فيأتي هذا، فيقسم بالله لا يصلي في المسجد، كما فعل من فعل من بعض الناس وأخذته العزة بالإثم، فأصبح فاجراً مركباً بعد أن كان فاجراً بسيطاً.
{فإن لم يستطع فبلسانه} يتكلم، لكن إذا خشي الضرر فعليه أن ينكر بقلبه، وهذه درجات، وهما منهجان لا ثالث لهما في شرح الحديث.
وقف أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه -كما عند الترمذي وأحمد - على المنبر، فقال: {يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذا الآية وتحملونها على غير محملها، وهي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة:105] وإني سمعت الرسول عليه الصلاة السلام يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشكوا أن يعمهم الله بعقاب من عنده}.
أي: أن كثيراً منكم لا يفهم معنى الآية، ويظهر لبعض الناس أن معنى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة:105] أي: أقيموا أمر الله في نفوسكم، والتزموا أوامر الله ولا عليكم من الآخرين، وهذا خطأ، فإن معنى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة:105] أي: إذا أمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، فلا يأتيكم ضرر إذا وقع العذاب {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] أي: بعد أن تأمروا وتنهوا.
واعلموا أن الرسول عليه الصلاة السلام قال في أكثر من مناسبة: {والذي نفسي بيده! لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه قصراً، أو ليخالفن الله بين قلوبكم، ثم يلعنكم كما لعن الذين من قبلكم} نعوذ بالله من لعنة الله، والحديث عند أبي داود وغيره.
والله يقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79].
وربما يتساءل متسائل فيقول: ما هي المنكرات التي يمكن أن نحولها؟
فنقول له: أما رأيت إلى المنكرات، وإلى رءوس الشياطين، وإلى الفتن صباحَ مساءَ، وإلى ما قذفتنا بها الثقافة والحضارة المادية من رجس ومعاصٍ والعياذ بالله، تدخل عند الخياط فتجد عشرات المنكرات، وكذلك عند المصور، والحلاق، والبائع، وغالب الناس، كل مكان لا يخلو من منكر يحب عليك إذا رأيته أن تغيره بحسب المستطاع.
لكن أما ترى عشرات الناس ومئات الناس من أهل الدعوة والاستقامة يمرون صباحَ مساءَ ولا يتكلمون بكلمة، هذا من الأمر السلبي الذي تعيشه الأمة الإسلامية في هذا الزمن، وله تفصيل سوف يأتي.