طلب الأجر من الله

من معالم دعوته عليه الصلاة والسلام، وهي دعوة الأنبياء: أنهم يطلبون الأجر من الله.

قال تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:47] وقال سبحانه: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} [الأنعام:90] فطلب الأجر لا يكون إلا من الله، والداعية إذا طلب أجراً من الناس، أو مثوبة على دعوته؛ سقط من أعينهم سقطة ما بعدها سقطة، فلا يقبلون له كلاماً، فهم لا يحترمونه في الباطن وإن احترموه في الظاهر، ولا يقبلون كلامه، ولا يجلسون على مائدته، وتراهم من أشنع الناس عليه في غيابه، والحديث المشهور: {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} وهذا الحديث مما اضطربت فيه الأقوال، فبعضهم يضعفه، وبعضهم يصححه، لكن يقول ابن حجر: حديثٌ حسن رواه ابن ماجة، وغيره بسند حسن.

إذا عُلِمَ هذا؛ فإن من زهد فيما في أيدي الناس؛ قَبِل الناس منه، والداعية لا يطلب الأجر من الناس، ولا يتقاضى مرتباً على دعوته، بل يطلب الأجر من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:47] ولذلك ردَّ الله على كفار مكة، فقال: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} [الطور:40] كأنك تطلب منهم شيئاً، فهم مثقلون من الطلب الذي تطلبه، وقد غرموا عليك غرامة، بل أنت ما أخذتَ منهم شيئاً، ولذلك ما مدَّ يده.

وإذا مدَّ الداعيةُ يدَه إلى الناس؛ باءت دعوتُه بالفشل، قال ابن الجوزي عن بعض الوعَّاظ، ذكرهم في القصاص، قال: كان يقف على المنبر، فيُبكي الناس، فإذا انتهى قال: " والله لا أنزل من على هذا المنبر حتى تملئوا هذا الخرج ذهباً "، وهذا مثل أحمد الغزالي، وهو أخو محمد الغزالي صاحبِ الإحياء، كان هذا يأخذ التبرعات بالقوة، ولذلك يقولون: ما قبل الناس منه فيما بعد، قدمت له امرأة سواراً من ذهب، تتبرع، قال: "قدمي السوار الآخر الذي في يدك اليسرى قطعها الله " فقدمته، وهؤلاء ذهبوا إلى الله عز وجل.

وبعضهم يطلب أجراً معنوياً، لا يطلب دراهم؛ لكن يحب أن يُصَدَّر في صَدْر المجلس، ويحب أن يُدعَى بسماحة الشيخ، وفضيلة الشيخ، وأن يُقَبَّل على رأسه، هذا إذا بُلِيَ به واستغفر الله منه أُجِرَ على ذلك، أما إذا طلب هذا الأمر وهو الأجر المعنوي والأجر الحسي فيكون الخلاص منه مدخولاً والرياء حاصلاً؛ بتواجد هذا الأجر المعنوي أو الحسي، ولذلك من يطلب هذه الأمور لا تأتي إليه، كتب أبو بكر لـ خالد: [[فِرّ مِن الشرف يتبعك الشرف]] أي: فِرّ من هذه الأمور، تتبعك هي، لكنك إذا تبعتها فرَّت منك.

والله المستعان!

وإنما تشوَّه علمُ مَن تشوَّه؛ لأنهم طلبوا الدنيا، وجعلوا علمهم شبكة للدنيا ومصيدة لها، فجمعوا وأخذوا، فطمس الله نور العلم منهم.

يقول عبد القادر الجرجاني، في قصيدة مليحة له، وكان منقبضاً عن الدنيا، وعن الناس، كان يعلِّم الناس، ولا يأخذ على ذلك شيئاً، فقالوا: ما هذا الانقباض؟! فردَّ بقصيدة من أجمل القصائد:

يقولونَ لي فيك انقباضٌ وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما

أأشقى به غَرساً وأجنيه ذلَّةً إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما

يقول: أنا أشقى، وأذاكر في الامتحان وأتعب، ثم أكون محروماً من لذته ونوره، إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما.

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015