سرقت امرأة مخزومية كانت تجحد العارية وبنو مخزوم أسرة فارهة ضخمة من أسر قريش المشهورة، فلما جحدت هذه المرأة الحلي، رفع أمرها إلى رسول الهداية صلى الله عليه وسلم، فقال: حكم الله عز وجل؛ قطع يدها، فقامت قيامة بني مخزوم، وقالوا: توسمنا العرب بأن امرأة منا سرقت، لا.
والله لا يكون هذا، واجتمعوا وسهروا الليالي الطويلة، وأداروا الرأي، وفي الأخير من الذي يشفع لهم عند الرسول عليه الصلاة والسلام، من الذي ينشر القضية؟ ارتبكوا أيما ارتباك، وفي الأخير قالوا: نذهب إلى أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، ونعرض عليه القضية؛ عله أن يرفعها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
أتوا إلى علي بن أبي طالب فغضب ورفض واحمر وجهه، وقال: ويلكم أتشفعون في حد من حدود الله، فأتوا إلى فاطمة الزهراء بنت المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأخبروها الخبر، فقالت: ويلكم وغضبت وتحرك إيمانها في قلبها، وقالت: من يشفع في حدود الله؟!
وفي الأخير ذهبوا إلى أسامة رضي الله عنه وأرضاه، وهو شاب غر فطن في الثالثة عشر من عمره، فعرضوا عليه الرأي، فاستحسن الفكرة وذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فجلس أمامه، فقال له صلى الله عليه وسلم وأسامة خجول لا يستطيع أن يتكلم بما في صدره، فقال له صلى الله عليه وسلم: ماذا في صدرك؟ قال: يا رسول الله! المرأة المخزومية التي حكمت عليها بقطع يدها نريد أن تعفو عنها، فغضب عليه الصلاة والسلام وقام على ركبتيه ورفع صوته على أسامة، وقال: ويحك! وجئت تشفع في حد من حدود الله.
وفي أثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا بلغت الحدود الإمام فلعن الله الشافع والمشفع} إذا بلغت السلطان أو القاضي الحدود كحد الزنا، أو حد شرب الخمر، أو حد القتل، أو حد السرقة، فأتى أناس يتشفعون من الوجهاء والمسئولين، فلعن الله هذا الشافع الذي تشفع ولعن الله من قبل الشفاعة، ثم قام عليه الصلاة والسلام فجمع الناس، وأتى الصوت يدوي في المدينة " الصلاة جامعة، الصلاة جامعة"، ولا يجتمع الناس إلا لأمر فظيع خطير في الإسلام، فلما اجتمعوا قام عليه الصلاة والسلام على المنبر ليبين أن هذا حكم الله، وأن هذه فريضة الله، وأن هذه شريعة الله، وقال: {يا أيها الناس! إنما أهلك الذين كانوا من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله ووالله وتالله وبالله لو أن فاطمة بنت محمد سرقة، لقطعت يدها}.
نعم.
ليفهم من يفهم، لو أنها فاطمة الزهراء بنت المصطفى صلى الله عليه وسلم، سيدة نساء العالمين:
هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ ماذا يساوي في الأنام علاها
أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها
لو سرقت -والله- لقطع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يدها.
قال الزهري: وحاشاها أن تسرق، ولكن أراد صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس أنه لا تأخذه هوادةٌ في دين الله، وأن الوساطات والشفاعات في تغيير الحدود، أو إرباكها، أو تعطيلها معناها اللعنة والغضب من الله تبارك وتعالى، ومعناه السخط، والخروج عن شريعته.